اليهود المغاربة والترشح للانتخابات
محمود نور الدين
يعتبر اليهود من بين السكان الأوائل للمغرب، بحيث كانت الديانة اليهودية إلى جانب الديانة المسيحية وبعض الديانات الوثنية هي السائدة قبل الفتح الإسلامي. وبالرجوع إلى مجموعة من المصادر والمراجع التي أرخت للوجود اليهودي بالمغرب نجد أنهم شكلوا تكتلات اجتماعية متراصة ومندمجة وخدموا وطنهم المغرب بالغالي والنفيس، وذلك قبل تجميعهم في ما كان يسمى بالملاح أو بعد تجميعهم فيه. طينتهم البشرية كانت ولا تزال تروم تحقيق الربح المالي في مختلف المعاملات والمجالات مع الميول الكبير إلى الادخار والاكتناز لكل ما هو نفيس وذي قيمة.
كان لليهود المغاربة عبر التاريخ وزن خاص لدى بعض الحكام، فقد كان لهم دور مهم في تحديد معالم سياسة البلد، بحيث وجه اليهود السياسة المغربية من بعيد ورسموا لها مسارها وتحكموا فيها عن طريق الأرصدة المالية والأصول الذهبية، فكانت العملة تسك بمعونتهم ومشورتهم، كما كانت وإلى عهد قريب تحمل النجمة السداسية (نجمة دافيد).
وفي هذا السياق يمكن طرح التساؤل التالي: هل عدم تقدم اليهود المغاربة للترشح للانتخابات في وقتنا الحاضر ينم عن عزوف في السياسة أم لعددهم القليل أم أن ذلك محسوم مسبقا من طرفهم باعتبار أن السياسة في المغرب والترشح للانتخابات أصبحت مجالا خاسرا بالنسبة لهم؟ أو بمعنى أكثر بساطة، لماذا لا يتقدم اليهود المغاربة اليوم للانتخابات؟
إن طرح إشكالية هذه الورقة بهذه الصيغة يروم تحقيق غرضين أساسين:
الأول أن اليهود عبر بعض بلدان العالم مارسوا السياسة والاقتصاد جازمين بأنهم يمكنهم جني مبالغ مالية مهمة وتحقيق مصالح خاصة من خلال تلك الممارسة مادام لا منافس لهم فيها بالقدر الذي يحجبهم ويخفيهم من المشهد السياسي.
والثاني أن اليهود المغاربة يستنكفون عن ممارسة السياسة عن طريق الانتخابات لأنهم مقتنعون أنه يوجد في المغرب من هم أكثر دهاء منهم وأكثر رغبة في تحقيق المصالح الشخصية وتجميع الأرصدة المالية، لذلك فالانتخابات في المغرب بالنسبة لهم تعتبر قطاعا خاسرا يجب تجنبه وعدم ولوجه.
كان اليهود المغاربة عبر تاريخهم الطويل يميلون بالخصوص في نشاطهم اليومي إلى ممارسة التجارة والصرافة والصياغة والحرف وقلما كانت تستهويهم الانتخابات، ليس بأنهم كانوا غير مرحب بهم من طرف الأغلبية نظرا للاختلاف في المعاملة وفي العقيدة الدينية مما لا يشجع الأحزاب على ترشيحهم تجاوزا للخسارة، أو أنهم لا يجيدون الدهاء السياسي والدبلوماسي والمعاملات اللبقة، ولكن بكل بساطة لأن عالم السياسة بالمغرب عرف رجالات تفوقوا على اليهود في حب المال والجاه والنفوذ وحب البروز والتربع على الكراسي لأطول مدة ممكنة، لذلك لم يكن بوسع اليهود المغامرة ودخول منافسة خاسرة مع أولئك المغاربة، لأن هناك مرشحين من بعض الأحزاب السياسية من يلهث وراء جمع المال بكل الوسائل أكثر من اليهود، وهو الأمر الذي جعل اليهود يتراجعون عن الترشح للانتخابات والاقتصار على تدبيرها من وراء حجاب لتصب في صالحهم في آخر المطاف، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الدهاء اليهودي لجني المحاصيل المالية دون الظهور على الواجهة.
وقد سبق للملك الحسن الثاني رحمه الله أن سُئل السؤال التالي: هل تحبذ عودة اليهود المغاربة؟ طرحه عليه بتاريخ 21 نونبر 1976 أحد ممثلي نادي الصحافة بباريس، فأجاب رحمة الله عليه بأن اليهود المغاربة يعتبرون مواطنين كسائر المواطنين المغاربة، وقد نجح بعضهم في الانتخابات الجماعية الأخيرة، وكان يقصد رحمه الله انتخابات سنة 1976، كما أضاف بأنهم عنصر نشيط وله مردوده الاقتصادي. (مقتطف من كتاب "اليهود المغاربة في المنظومة القانونية 1913 – 2007 لعبد الحي بنيس، مطبعة دار الأمان، الرباط، ص 11.)
وبمناسبة حديث ملكي خص به الملك محمد السادس أحد صحفيي جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 23 يوليو 2001 صرح فيه ما يلي:" مهم جدا أن أقول لك إن المغرب لا يعاني من مركب نقص، فقد كان عندنا دائما مستشارون ووزراء وسفراء يهود، ولم يكن هناك فارق بين مغربي مسلم ومغربي يهودي..." نفس المرجع السابق، ص 19 .
يتضح إذن بأن اليهود المغاربة كانوا يفضلون الولوج إلى مناصب تتم بواسطة التعيين وليس عن طريق الانتخابات رغبة في الاستفادة من خبرتهم وعلاقاتهم العامة في السياسة والاقتصاد كما هو عليه الشأن بالنسبة لمستشاري بعض ملوك المغرب وسفرائهم، الذين لم يبخلوا على البلد بتقديم النصح والمشورة كلما كان ذلك ضروريا. كانت مشورتهم تروم الخير لهذا البلد أكثر من مشورة بعض السياسيين من بعض الأحزاب المغربية ممن يعتبرون أنفسهم وطنيين حتى النخاع ومن الدرجة الأولى.
يمكن القول من هذا المنطلق بأن الانتخابات بالمغرب أصبحت مقتصرة على شريحة معينة تفوز بالانتخابات كل مرة وبنفس الأساليب ثم تفوز ثم تفوز ثم تعاود الكرة لتفوز وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، فلا يصيبها الضعف ولا الوهن ولا يثنيها كره الناس لها بسبب ما اقترفت أيديها من أعمال مشينة ضد الوطنية، تأبى أن تتخلى عن المقاعد الانتخابية لمن هم أكثر صلاحا وأكثر كفاءة واستحقاقا ورغبة في تجديد النخب، فما تجيده ليس هو الحكامة الجيدة والتدبير الحسن للشأن العمومي ولكن هو التودد للساكنة والتملق للمسؤولين الحكوميين.
ربما أن مجال التودد للساكنة والتخلي عنها بمجرد ركوب صهوة جواد الفوز في الانتخابات لا يجيده اليهود المغاربة، أو أن التلاعب بمشاعر المرأة هي أيضا لا يجيدها اليهود المغاربة، أو أن احتقار المعاقين الحركيين والعقليين والحسيين والمكفوفين وضعاف البصر وتنحيتهم عن طريق عدم تخصيص حصة لهم من المقاعد داخل المجالس المنتخبة هي أيضا لا يجيدها اليهود المغاربة، كل هذا يجيده المغاربة من غير اليهود كما يجيدون التخلي عن الوعود، وما خطاب 20 غشت الأخير لملك البلاد محمد السادس عنا ببعيد.
للمزيد من التعمق في الموضوع المرجو الاطلاع على المراجع التالية:
- يهود المغرب 1948-1912 لمحمد كنبيب، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.
- اليهود المغاربة من منبت الأصول إلى رياح الفرقة، لأحمد شحلان، قراءة في الموروث والأحداث، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط.
- اليهود المغاربة في المنظومة القانونية 1913-2007 لعبد الحي بنيس، دار لمان الرباط.
- ألف سنة من حياة اليهود بالمغرب، تاريخ- ثقافة – دين، لحاييم الزعفراني، مطبعة دار قرطبة الرباط.
- اليهود في البلدان الإسلامية 1850- 1950 سلسلة عالم المعرفة، العدد 197، ماي 1995