تأثر اليهود بالتصورات الوثنية عند الأمم السابقة
ذ.البوعيادي محمد
تأثر اليهود بالتصورات الوثنية عند الأمم السابقة لقد تحولت فرضية تأثر الدين اليهودي بما سبقه من الأديان والوثنيات السابقة على وجوده من طور النظرية إلى طور الحقيقة العلمية والتي اسمر الجدل حولها على مدى سنوات طويلة إلى يومنا هذا حيث هيمنت تلك الأبحاث والكشوف العلمية على ساحة أبحاث اللاهوت المعاصرة لتقرر في النهاية أن العهد القديم أو (التوراة) الموجودة اليوم ليست سوى مزيج متناسق شكل في مجمله خلاصة مفرزات الأمم الغابرة في العقائد والشرائع على حد سواء. ويجدر بنا أن نسوق بعض الشهادات من سفر القضاة على ذلك للاستشهاد والتدليل لا الحصر.
1- يقول النص الوارد في سفر القضاة (2/11-13) " و فعل بنو اسرائيل الشر في عيني الرب و عبدوا البعليم و تركوا الرب اله ابائهم الذي اخرجهم من ارض مصر و ساروا وراء الهة اخرى من الهة الشعوب الذين حولهم و سجدوا لها و اغاظوا الرب ، تركوا الرب و عبدوا البعل و عشتاروث".
2- يقول النص الوارد في سفر القضاة (3/12-14) " و عاد بنو اسرائيل يعملون الشر في عيني الرب فشدد الرب عجلون ملك موآب على اسرائيل لانهم عملوا الشر في عيني الرب فجمع اليه بني عمون و عماليق و سار و ضرب اسرائيل و امتلكوا مدينة النخل فعبد بنو اسرائيل عجلون ملك موآب ثماني عشرة سنة".
3- يقول النص الوارد في سفر القضاة (10/6-7) " و عاد بنو اسرائيل يعملون الشر في عيني الرب و عبدوا البعليم و العشتاروث و آلهة آرام و آلهة صيدون و آلهة موآب و آلهة بني عمون و آلهة الفلسطينيين و تركوا الرب و لم يعبدوه فحمي غضب الرب على اسرائيل و باعهم بيد الفلسطينيين و بيد بني عمون".
4- يقول النص الوارد في سفر القضاة (18/30-31) " و أقام بنو دان لأنفسهم التمثال المنحوت و كان يهوناثان إبن جرشوم بن منسى هو و بنوه كهنة لسبط الدانيين الى يوم سبي الارض و وضعوا لأنفسهم تمثال ميخا المنحوت الذي عمله كل الايام التي كان فيها بيت الله في شيلوه".
والمستفاد من هذه النصوص وغيرها هو بيان ما كان لتلك التصورات الوثنية الطاغية جراء الانقياد وراء عبادة تلك الآلهة الوثنية من تأثير صفة العلم الإلهي عند اليهود ومن جراء احتكاكهم الكثير بالأمم الوثنية التي كثيرا ما عاشوا في أوساطها وتحت حكمها. فكما رأينا أنهم وضعوا جميع ما يمكن أن يطلق عليه أنه إله في نسق واحد واعتقدوا إشراكها جميعا في نفس الصفات فلذلك جاء تصورهم عن علم الله-تبارك وتعالى- تصوراً بشرياً قاصراً لاسيما أن تلك الآلهة معظمها صيغ في هيئة وشكل بشريين ك"بعل" على سبيل المثال.
وبالتالي ظن في تلك الآلهة أنها كالبشر تماما في جميع صفاتها- رغم أنها في الحقيقة لا تضر ولا تنفع- فخلعوا عليها جميع صفات البشر والأبعد من ذلك أنهم اعتقدوا علمها للغيبيات فلذلك أخلصوا في عبادتها وأصبحوا يقربون لها القرابين وفق طقوس اخترعوها بأنفسهم لتناسب تصوراتهم. ومن المفيد في هذا الموضوع أن ننقل نصا للدكتور فؤاد حسنين، من كتابه "التوراة عرض وتحليل" حيث يقول معلقاً على نصوص "العهد القديم" "وهو ككتاب أو جزء من كتاب عبارة عن حلقة من سلسلة الكتب الدينية التي عرفتها الجزيرة العربية في عصورها المختلفة سواءً ظهرت تلك الديانات بين أرجائها كالبابلية والآشورية أو اليمنية الكنعانية مثلاً. أو نشأت خارجها كالمصرية القديمة.
والعهد القديم أيضا إلى جانب ذلك ظل للحياة العقلية الروحية في تلك العصور تلك العقلية التي ما استطاعت يوما أن تلص من ماضيها السحيق وتقاليدها المختلفة وطريقة نظرها إلى الحياة". التوراة عرض وتحليل فؤاد حسنين د.ط.1946 ص 10 فالعهد القديم عند الدكتور حسنين ليس إلا انعكاساً لأساطير ووثنيات تلك الديانات التي عاشت في تلك العصور.
وأما الأستاذ العقاد فيذكر أن العقيدة الإسرائيلية كانت موضع مقابلة مستفيضة بينها وبين عقائد البابليين والمصريين والفرس والهنود الأقدمين، وأن لها صلة قريبة بعقائد اليونان قبل عصر الفلسفة وبعدها إلى عصر المسيح. انظر الله العقاد ص 76 وهذا يؤكد أن التصور اليهودي لم يتأثر بتلك التشوهات والوثنيات السابقة فحسب بل إنه كان ناقلاً ومحرراً لكثير من أساطير وخرافات تلك الوثنيات والتي لم تخل من تصورات وثنية في صفة العلم الإلهي. مفهوم العلم الإلهي عند اليهود.