التاريخ يعيد نفسه
بقلم ذ.عبدالمالك أهلال
بعد وفاة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بدأت الأمة في التشتت والتفرقة إلى أن أصبحت على ما عليها اليوم من ضعف وهوان ،وقد حاول بعض المسلمين قديما وحديثا أن يلبسوا هذه التفرقة والتشتت لباس العقيدة والإيمان والحقيقة أنها نتيجة لخلافات سياسية ظهرت مباشرة بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في سقيفة بني ساعدة ،وقد وصل هذا الخلاف أوجه بعد وفاة سيدنا أبو بكر بعد حكم دام لمدة قصيرة قدرت ب24 شهرا ،لينتهي بأول اغتيال سياسي لسيدنا عمر وبعده اغتيال سيدنا عثمان ومن بعدهما سيدنا علي رضي الله عنهم أجمعين. وبعد كل هذا ظهر صحابي أخر اسمه معاوية بن أبي سفيان رحمه الله وغفر لنا وله ليأخذ الحكم بالقوة بل وأخذ البيعة بالسيف لولده في حياته ليكون أول من سن هذه السنة السيئة التي سماها رسولنا الكريم بالحكم العاض ،والتي (السنة) أخذها بعض الشيوخ كدليل شرعي على ضرورة طاعة المنقلب المتغلب.
إن الخلاف السياسي الذي ظهر في عهد الصحابة والذي كانت نتائجه ما سبق ذكره كان نتيجة للتعصب الأعمى للأشخاص. الذي تسبب في ظهور طوائف عدة منها من اعتبرت أن الإمامة(الخلافة) ركن من أركان الإسلام وأن الخلافة هي من حق الإمام علي كرم الله وجهه ولأبنائه من بعده ،واستدلت على ذلك بأحاديث للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ،بل ذهب بها تعصبها إلى رفع مكانة سيدنا علي إلى مرتبة لم تكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومنها من استدل بأحاديث أخرى تدل على ان الخلافة ليست من أركان الإسلام في شيء بل هي شورى بين المسلمين فوقفت بجانب المعسكر الاخر من الصحابة ورفعتهم إلى مرتبة العصمة وان لم يصرحوا بها لفظا، فمنعت من الانتقاد كل ذي رأي في طريقة الحكم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،ومنها طائفة أخرى اعتزلت هذه الطوائف كلها لتفر بدينها من الفتن على حد زعمها .
ذاك هو التاريخ أما حاضرنا فيكاد يكون صورة طبق الأصل لما حدث قبل 1400 عام ، فبعد ان استبشر الناس بسنة من الديمقراطية بعد ربيع الحرية والكرامة ،ظهرت ثورات مضادة وهي بكامل قواها التسلطية ومدججة بمعممين يبيحون كل شيء مقابل العودة إلى التسلط والديكتاتورية ومقابل أن يتركوا في أبراجهم العالية ليصدروا فتاوى تخدر وتنوم الشعوب لتبقى فريسة للسلطان ومن يوصف زورا وبهتانا بأنهم أهل القرآن .
مصر وسوريا مثالان لحاضرنا البئيس ،ففي مصر ظهر معممون تفننوا في مدح السفاك السيسي ،فمنهم من ذاب في عشقه ومنهم من اعتبره جنديا من جنود الله وملكا من ملائكة الرحمان ومنهم من رأى في منامه أن السيسي مفوض من الله ليقتل ويفتك بالناس ومنهم من رأى أن شروط الإمامة من ورع وتقوى وعلم وحلم كلها مجتمعة في الإمام السيسي، وفي مقابل هؤلاء المبجلين والمعظمين من المعممين هناك أيضا معممون اصطفوا الى جانب الشرعية والحرية ومطالب الشعب ،ومنهم أيضا من اعتزل المعترك السياسي وفضل أن يسكت هروبا بدينه أو محافظا على امتيازاته.
وفي سوريا اعتبر الموالون للنظام الديكتاتوري الطاغوت بشار إلها يعبد من دون الله ،فكانت شبيحته تقول للمعارضين المطالبين بالحرية قولوا :"لا اله إلا بشار تفلحوا" ،وتحولت ثورة الحرية والكرامة فيها إلى حرب طائفية بعدما استدعي المتطرفون من كل فج عميق ليهلكوا الحرث والنسل ،تحولت الثورة إلى حرب أتت على الأخضر واليابس باسم الدين وباسم نصرة المظلوم ونصرة أهل الحق .
حاضر مأساوي لأمة كان من المفروض أن تقود العالم لو أنها عادت إلى ما قبل وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ،إلى ما قبل الخلافات السياسية التي سببت انكسارا تاريخيا لهذه الأمة ،حاضر يشبه الماضي في كل شيء في الأسباب والوسائل والتي ستؤدي حتما إلى نفس النتائج ليحكم الطغاة من جديد باسم الدين. الا أن يرحمنا الله برحمته.