مشاكل الريف ستحُلها المؤسسة الملكية في خمس دقائق فقط
بقلم :حميد المهدوي
سأل موقع " بديل" المحلل السياسي والأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي، حول ما إذا كان قد حان الوقت لتدخل ملكي من أجل تكليف جهة لمحاورة المحتجين في الريف والاستجابة لمطالبهم، فقال الشرقاوي :"لحد الآن لم يحن الوقت لتدخل ملكي في هذا الموضوع وأن المطلوب اليوم هو بناء الثقة مع مؤسسات وسيطة ومؤسسات لها رمزية يمكنها أن تلعب دورا في ذلك".
والرأي عندي أن تدخل الملك في أزمة الريف بات مُلحا أكثر من أي وقت مضى لأسباب دستورية، واقعية، سياسية، دينية، حقوقية إنسانية.
وأما السبب الدستوري فيلخصه الفصل 42 من هذا الدستور، حين ينص على أنه من جملة مهام الملك " السهر على حسن سير المؤسسات" و"احترام الوثيقة الدستورية" وصيانة الاختيار الديمقراطي"، ومعلوم أن الحكومة بمقتضى الدستور هي "مؤسسة دستورية" واجب على الملك السهر على حسن سيرها، وهنا نتساءل: " هل تسير الحكومة في المغرب بشكل جيد"؟ لن نذهب بعيدا للبحث عن الجواب، بل سنستخلصه، من كلام الشرقاوي نفسه ضمن ذات التصريح الذي قدمه للموقع، حين يقول الأستاذ الجامعي: "الحكومة بدل أن تكون جزء من الحل أصبحت مشكلا، وأظهرت بهلاونية في تدبير الاحتجاج بالريف ولم تقدر حجم آثار تصريحات قادة الأغلبية على مسار هذه الاحتجاجات، فكانت هذه التصريحات بمثابة الزيت الذي صُب على نارها".
ثم أضاف الشرقاوي: "بدل الدور الذي يمكن أن تلعبه الحكومة في إيجاد أجوبة وسياسات عمومية لإنهاء ملفات ومطالب الاحتجاجات الاجتماعية أبدعت هذه الحكومة في دفع الاحتجاج إلى أقصى مدى"، معتبرا أنها (الحكومة) "سرعان ما فهمت حجم الخسائر الاجتماعية التي أحدثتها تصريحات رئيسها وممثلي الأحزاب المشكلة لها، وكذلك ما أحدثها لقاء وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت مع مسؤولين حكوميين"، مشيرا -الشرقاوي- إلى أن هذا اللقاء "ليس له معنى"، وأن "المعنى الحقيقي لاتخاذ القرار هو تقديم وزير الداخلية لعرض مفصل حول ما يحدث في الريف عندما يكون في مجلس الحكومة أو أن يدعو البرلمان للانعقاد عبر لجنتي الداخلية بالغرفتين أو أن يطرح البرلمانيون الأسئلة".
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أن مؤسسة الحكومة تعبث بالقانون والدستور وتجازف بأمن واستقرار البلاد، وبالتالي فهي مؤسسة لا تسير بشكل حسن وطبيعي، وبالنتيجة يكون الملك ملزما بالتدخل لوضع عجلة الحكومة على سكتها الصحيحة، خاصة إذا استحضرنا دور الملك في صيانة الاختيار الديمقراطي الذي أساسه احترام المواطنين وعدم تعنيفهم كما تنص على ذلك المادة 22 من الدستور المغربي بخلاف ما يجري مع احتجاجات الريف التي تعرضت لتدخل همجي في أكثر من مناسبة، وكذا احترام إرادة المواطنين والتفاعل مع احتياجاتهم بدل سبهم والافتراء عليهم كما فعل قادة الحكومة حين اتهموا، بهتانا وكذبا، المحتجين بالرغبة في الانفصال وتلقي أموال من الخارج دون أن يدلوا بأي وثيقة أو أي دليل من شأنه أن يزكي مزاعمهم.
ثم هناك سبب ديني، فالملك وفقا للفصل 41 من الدستور هو "أمير المؤمنين"، وفي التراث الإسلامي نجد القول المأثور لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب:" لو عثرت دابة في العراق لسُئِل عنها عمر"؛ فكيف يُسأل "الأمير" عمر بن الخطاب عن عِيثَار دابة ولا يسأل " الأمير" محمد السادس عن "عِيثارْ" آلاف المواطنات والمواطنين بالريف؟
وبالإضافة الى كل ما سبق هناك سبب واقعي، يستخلص من جهة من تصريحات قادة الحراك الذين أكدوا على أن محاورهم الوحيد اليوم هو الملك عبر جهة ينتدبها لذلك، ومن جهة ثانية يستخلص من كلام الشرقاوي نفسه، فحين سُئِل عن الرسائل التي حملتها تظاهرة الخميس 18 ماي بالحسيمة، قال "هذا الحراك ثاني أكبر سلوك احتجاجي بعد حراك 20 فبراير"، فكيف لا يتدخل الملك في حراك من هذا الحجم وقد تدخل في وقفة صغيرة لعمال الحليب بمراكش كما تدخل لمجرد رسالة توصل بها من مهاجر في الحسيمة في ما بات يعرف بقضية " باديس"، مثلما تدخل في احتجاجات عديدة لا أثر لها إذا قورنت باحتجاجات الريف؟
وطبعا هناك سبب انساني حقوقي، فلا يُعقل أن تستمر الاحتجاجات لمدة سبعة أشهر، ويبقى الملك متفرجا على هتافات و معاناة وآلام المحتجين، في وقت يجمع فيه الكل على عجز الحكومة بمن فيهم السيد الشرقاوي نفسه بدليل تصريحه أعلاه؟
دون أن ننسى سببا سياسيا مهما؛ فالملك هو رئيس الدولة، بمقتضى الفصل 42 من الدستور وهو المؤتمن الأول على أمن واستقرار البلاد فكيف لا يتدخل الملك وجزء كبير من هذه البلاد بات على كف عفريت؟
بالنسبة للسيد الشرقاوي المطلوب ليس تدخل الملك بل " بناء الثقة مع مؤسسات وسيطة ومؤسسات لها رمزية يمكنها أن تلعب دورا في ذلك" وهنا نتساءل مع الاستاذ الجامعي من هي هذه المؤسسة التي لها رمزية في البلاد غير المؤسسة الملكية؟ من هي هذه المؤسسة المستقلة في البلاد والتي يمكنها أن تبادر من تلقاء نفسها إلى حل مشاكل 10 أشخاص فبالأحرى مشاكل منطقة دون أن تتلقى إشارة من القصر؟
مشاكل الريف أكبر من إمكانات مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو أي مؤسسة " وسيطة أخرى، بل أكبر حتى من إمكانات الحكومة نفسها، وحدها المؤسسة الملكية القادرة على حل مشاكل الريف في ظرف خمسة دقائق فقط؛ لأنها الجهة الأولى الغنية، ماليا، في البلاد والأهم أنها الحاكمة الفعلية القادرة على تعبئة جميع موارد المغرب وأغنياءه للمساهمة في حل مشاكل الريف، مادامت هذه المشاكل اقتصادية واجتماعية فقط إلى حدود الآن، وربما تصبح مشاكل سياسية وآنذاك لن ينفع لا " غْنانْ" ولا "جاه ولا مال"، لا قدر الله.