دمنات وحكاية الجرائم الثلاث
أزيــلال 24 : ذ.عصام صولجاني
نظر عميد الشرطة إلى ساعته اليدوية، كانت تشير إلى الساعة السابعة (7) صباحا. تناول وجبة الفطور، ثم ارتدى معطفا شتويا. ودع زوجته وطفله الصغير بابتسامة عريضة. وانطلق نحو سيارته... كان الجو في الخارج بارد جدا... والسماء ملبدة بغيوم ثقيلة، تنذر بهبوط أمطار غزيرة.
عبر العميد بسيارته بوابة المدينة متوجها نحو مفوضية الشرطة. رن هاتفه، فتوقف على جانب الطريق ليرد على المكالمة الواردة، من أحد مفتشي الشرطة. كان مضمون المكالمة مرعبا. تم العثور على ثلاثة جثث، في ثلاثة مواقع بمدينة دمنات. جثة فتاة في مقتبل العمر ملقاة بجانب سور الثانوية. وجثة امرأة خلف المحطة الطريقة. وجثة شاب عند مدخل مستشفى إسران. على الفور أعلن العميد حالة استنفار شاملة. وأعطى أوامره لمباشرة الجرائم الثلاث، بكل ما يمليه عليه القانون. وانطلق نحو أقرب مسرح للجريمة، بقرب المحطة الطرقية. هناك وجد عناصر أمنية وهم يمسحون المكان، ويلتقطون الصور لمسرح الجريمة.
بعد معاينة الجثة تم نقلها في سيارة تابعة لمصلحة الوقاية المدنية. بعض المواطنين لم يمنعهم الجو البارد من متابعة المشهد الحزين. في مسارح الجرائم الأخرى، عند الثانوية، وقبالة مستشفى إسران، تم اتخاذ نفس الإجراءات الأمنية الصارمة من طرف المدعي العام و رجال المباحث، وضباط الأدلة الجنائية. قبل نقل جثث الضحايا نحو مصلحة الطب العدلي. اهتز الرأي العام لهذه الفجعة. وغصت وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، بعناوين مثيرة وتحليلات هتشكوكية لما حدث. وكل واحد يريد لعب دور كولومبو او المفتش كونان في نسج روايات وتأويلات حول الجرائم. أثارت سخرية البعض ودغدغة عواطف الناس البسطاء. تلقى عميد الشرطة،أوامر من رؤساءه،في القيادة العليا، بضرورة تسريع البحث، والتحري لفك ألغاز هذه الجرائم قبل فوات الأوان. مما سبب له ضغطا نفسيا مضاعفا. تجندت اطقم الشرطة معززة بكل وسائل الدعم الممكنة. وشمر المخبرون والمتعاونون واعوان السلطة عن سواعدهم للاستقصاء والبحث عن أي معلومة او وشاية يمكن أن تفيد البحث الجنائي. على شبكة الإنترنت تم نشر صور الضحايا. لكن للأسف لا أحد تعرف على هوياتهم. كما أن بصمات الضحايا، وخصائصهم الحيويه لم تبح بشيئ يذكر. مما عقد طريق البحث. كان الوقت يمر بسرعة. وكل الاعتقالات التي نفذتها الشرطة في حق ذوي السوابق القضائية. وبعض المتشبهين. لم تأتي بنتيجة تفيد البحث. حتى الكلاب البوليسية المتمرسة ضاعت وسط المدينة دون التقاط أية رائحة. واصل فريق البحث العمل بالليل والنهار. وجاءت تقارير الطب العدلي متطابقة من حيث طريقة القتل وأسباب الموت. لقد تم الاجهاز على الضحايا عن طريق الخنق. وكسر عضام الرقبة. خرجت مظاهرة كبيرة تطالب بالكشف عن المجرمين ومعاقبتهم. وفي الوقت الذي استأثر فيه الضغط على العميد وفريق البحث. توصل احد مفتشي الشرطة من إحدى المتعاونات، التي تشتغل بأحد الحمامات الشعبية بمعلومة تفيد بأن إحدى بائعات الهوى، حكت لها عن بوح خليل لها في جلسة خمرية، بأنه من ارتكب الجرائم الثلاث. تم التعامل مع المعلومة بجدية. وفي سرعة قياسية، تم تحديد موقع المشتبه فيه وتمت محاصرته بأحد المقاهي وهو يحتسي الشاي ويثرثر في أمور السياسة والسياسيين، والروس واليابانيين، والناس أجمعين.جرى تصفيده على طريقة الكوماندوس بعملية سريعة. وقد تأكد للعميد، بأن المجرم وجه مألوف بالإدارات العمومية. معروف بلباقته وهدوءه. وصديق حميم للعديد من المسئولين ورؤساء المصالح بالمغرب. وجاء في بيان موجه للرأي العام. أن المجرم الذي قتل الضحايا الثلاث، لم يكن سوى الفساد. بمساعدة المجرمتان التهميش والمحسوبية. وان سلاح الجريمة، حسب اعترافات الفساد، هو الرشوة والاختلاس والسرقة والزبونية. أما عن هوية الضحايا فيتعلق الأمر بكل من العدالة والتعليم والصحة وقد دل المجرم لرجال الأمن على جثة مدفونة في احد الحقول المهجورة تبين لاحقا انها تعود للتشغيل . وبعد أشهر من المداولات بالمحاكم، تم الحكم بإيداع المجرم الفساد إحدى المصحات النفسية. بعد أن أدلى محاموه بشهادة طبية موقعة من محلفين . في حين تم إخلاء سبيل المجرمتان التهميش والمحسوبية نظرا لظروفهما الصحية خاصة وانهما حبالى وفي شهرهما التاسع وينتظران وضع مولوديهما.