رحمة بفسادكم أيها المفسدون
ياسين زواكي
مع اقتراب موعد كل كرنفال انتخابي نسمع الكل يرفع شعار القضاء على الفساد؟ لكن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة علينا جميعا، هو أين يستقر ويعيش هذا الفساد؟ إذا كان الكل ينصب العداء له فلما لا يدلوننا عليه لكي نقتله ونرتاح من الفقر والبطالة والزبونية والمحسويبة والظلم ونحقق السعادة لشعبنا.
وإلا فلماذا كل هذا الظلم في حق هذا الرجل المسكين الذي هو الفساد لماذا تنكرتم جميعكم له، ألم يكن سببا في جلوسكم على كراسي الحكم. ألم يساعدكم على استحمار هذا الشعب المقهور، ألم يساعدكم لكي تجثموا على الصدور النحيفة لأبناء وبنات هذا الوطن الجريج، ألم يساعدكم في الجلوس مع النخبة في الأماكن المكيفة، ألم يساعدكم في الحصول على سيارات فارهة لكم ولأبنائكم ، ألم يساعدكم على قضاء عطلتكم في أوروبا وباقي أسقاع العالم، ألم يساعدكم على تدريس أبنائكم في أعتى الجامعات العالمية، ألم يساعدكم على الجلوس في حجرة المخزن الدافئة. ألم يساعدكم على لعبة السودوكو والتبوريدة وتبادل النكت داخل قبة البرلمان فرحمة بفسادكم رجاءا .
أليس من العار عليكم ألا يمتلك أحد منكم الشجاعة السياسية والأخلاقية ليعلن تبنيه لهذا الابن الذي بر بكم وبعائلتكم وضمن لكم المناصب والمكاسب، أهكذا نرد الدين ألم يفتح لكم هذا الفساد أفقا لم تكونوا لتحلموا به يوما لأن شواهد الكثير منكم لا تؤهلهم حتى على نطق أسمائهم وكتابتها بطريقة سليمة، ولا تأهلهم حتى على قراءة سؤال من سطرين تحت قبة البرلمان، ألم يحن قلبكم على هذا السيد الوقور الطيب الحنون العطوف، أمن لكم مستقبلكم ومستقبل أبنائكم ودخ لكم حسابا سمينا في البنوك السويسرية وغيرها، ألم يحقق لكم دخلا لم يحلم به حتى ممن أفنوا زهرة حياتهم في التحصيل العلمي ومصيرهم الزرواطة أمام قبة البرلمان، عفوا "قبة الهرومان". ألم يحقق لكم تقاعدا لم يستطع موظفا في قطاع التعليم مثلا على الوصول عليه حتى بقضائه لأكثر من نصف قرن مع الطبشور وحمله لجميع الأمراض الممكنة ( السكري، الروماتزيم، الزهايمر) والقائمة طويلة. أليس الاعتراف بالخطأ فضيلة. فلماذا لا تعترفوا أمام هذا الشعب بارتكابكم جريمة وظلما في حقه وفي حق هذا الفساد لعدم اعترافكم بمساعدته لكم؟. أليس الفساد في بيوتكم أنتم؟ أليست أركان فيلاتكم الفخمة تفوح منها رائحة الفساد؛ لأنها بنيت من دماء وعرق أبناء هذا الشعب، ألا تشتمون رائحة الفساد من سيارتكم الفخمة التي تمتطونها، ألا تشتمون رائحة الفساد في ملابسكم ذات الماركات العالمية، في حين لا زال المواطن الجريح يعيش في عصور ما قبل التاريخ يبحث عن ما يستر به عورته. ألا تشتمون رائحة الفساد في السيارات التي اشتريتموها لأبنائكم المراهقين لكي يدوسوا بها على أبناء المحرومين في الطرقات دون أن يعترض طريقهم أحد، وحتى وإن قدر الله ووجد شرطي أو دركي مسكين بسيط سيدوسون عليه وستحل المشكلة بمكالمة هاتفية . طبعا لن تشتموا رائحة فسادكم ، لأن عطور الماركات العالمية التي تشترونها تمنعكم من اشتمام رائحة فسادكم، لكن المحرومين يشتمونها من بعيد لأنها رائحة تزكم الأنوف.
محاربة الفساد يجب أن يدعو إليها المواطن المقهور الذي لا يتوفر على أبسط شروط العيش الكريم، من يقطن دور الصفيح ومن يقطع عشرات الكيلومترات للحصول على الماء، ومن يقطع مئات الكيلومترات لكي يصل إلى أقرب مستوصف للحصول على لقاح لابنه من لدغة عقرب ليفقد فلذة كبده أمام أعينه في الطريق ويعود أدراجه منكسرا إلى بيته.
محاربة الفساد يجب أن تطالب به أم عانت من مخاض في منتصف الليل في قرية نائية وفقدت فلذة كبدها لعدم التوفر على مستوصف قريب منها ، وممن كانت محظوظة وصلت إلى المستشفي لتلد في بابه لعدم وجود من يستقبلها لأنها مصنفة مواطنة من الدرجة الرابعة ولا سرير لها .
محاربة الفساد يجب أن يقول بها من هم مواطنون من الدرجة الثالثة في هذا المجتمع ممن يصطفون طوابير من أجل الحصول على أبسط وثيقة داخل الجماعة المقاطعة...، فيأتي شخص من طرف فلان فيمرر يده على ظهورهم كما تمدد أيادي الكساب على حيوانه ليطمئن على جودته، ويكسر إنسانيتهم ومشاعرهم وكأنهم ليسوا بشرا مثل بقيتهم ويقضي أغراضه هو، وهم في طابور الانتظار إن كانوا من المحظوظين سينتظرون لساعات حسب مزاج الموظف، وإلا أغضبوه وقرر معاقبتهم بمطالبتهم بالعودة بعد ثلاث أيام أو أسبوع وكأنه طبيب يحدد لهم موعدا لإجراء عملية جراحية، وليس من أجل الحصول على عقد الازدياد أو توقيع لا يستغرق مجرد خربشة من الموظف على ظهر الورقة، ولا أحد يجرؤ من المساكين على فتح فاهه إلا عند طبيب الأسنان طبعا إن كان محظوظا بزيارته له يوما ما، وإلا ستتساقط أسنانه أمامه كما تتساقط أوراق التوت. .
محاربة الفساد يجب أن يقول بها ونحن مصدقون لهم ممن جرفتهم مياه الفيضانات، ممن لم تحترم إنسانيتهم حتى وهم موتى وحملوا في شاحنات لنقل الأزبال.
محاربة الفساد يجب أن يقول بها من حصلوا على أعلى شهادة في الدولة ويتعرضون إلى الضرب والرفس لا لشيء سوى لمطالبتهم بحق تكفله لهم جميع المواثيق الدولية وهو الحق في الشغل .
محاربة الفساد يجب أن يقول بها ممن ماتوا في عرض المتوسط غرقا هربا من الفقر والظلم ورغبة في تحسين ظروفهم وظروف عائلاتهم، لتنكسر أحلامهم على أمواج البحر العاتية.
إن مداد موضوع الفساد وفير لذلك سأكون مضطرا لتوقف هنا، وأقدم اعتذاري للفساد لأنني لم أوفيه حقه، كما أقدم اعتذاري من كل المكلومين والمقهورين والمسجونين ظلما والمشردين لأن قائمتهم طويلة يلزمها مؤلفات وليس سطورا، أعذروني لأنني لم أقصد إيقاظ هاته الجروح الغائرة في عظامكم أيها المقهورين، لأنني فقط حاولت في هاته الأسطر العفوية أن أجيبهم عن أين يسكن الفساد الذي تودون محاربته يا مفسدين.
العبور