تقرير حول مجريات ندوة وطنية حول موضوع :
مسودة مشروع القانون الجنائي
" البعد القانوني ومبادئ حقوق الإنسان"
نظم المركز المغربي لحقوق الإنسان ندوة فكرية، حول موضوع : "مسودة مشروع القانون الجنائي : البعد القانون ومبادئ حقوق الغنسان"، وذلك يوم السبت 09 ماي 2015، بمركز تكوين وتنمية قدرات الشباب بمدينة تمارة.
وقد أطر الندوة كل من الأستاذ عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان (منظمة ديمقراطية مستقلة)، والأستاذ هشام بلاوي، قاضي مسؤول بمديرية الشؤون الجنائية بوزارة العدل والحريات، وأحد أعضاء لجنة صياغة مسودة مشروع القانون الجنائي، والأستاذ محمد عنبر، القاضي السابق بمحكمة النقض، وأحد مؤسسي نادي قضاة المغرب، والأستاذ عبد المولى الماروري، عضو المكتب التنفيذي لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان. وقد أشرف على تسيير الندوة الأستاذ عبد العالي الهواري السليماني، عضو المكتب التنفيذي للمركز المغربي لحقوق الإنسان.
وفي معرض مداخلته، أكد السيد عبد الإله الخضري، على أن المشرفين على التعديلات المقدمة، حرصوا على مراعاة مبدأ الشرعية، من خلال تبسيط المفاهيم وتقليص دائرة التأويل، إلا أن بعض المواد المقترحة، سقطت في "غموض المرمى" ، فيما انطوت أخرى على تراجع خطير في الجانب الحقوقي، وأثار بهذا الصدد، عددا من الأمثلة، حيث أتت المادة 90 بجديد حجب المواقع الالكترونية في حالة استعمال الموقع من أجل ارتكاب جريمة، وهو ما يعني التجني على مؤسسة إعلامية وعلى مصدر الخبر لدى الرأي العام، مما يعني أن المواقع الالكترونية ستصبح تحت رحمة القانون الجنائي، وبالتالي ضرب لاحترام الحق في الإعلام، فكون أن يشكل مقال ركنا لجرم ما، ينبغي أن يحال على مدونة الصحافة والنشر، وكان الأجدر الحديث عن حذف المقال المعني بالجريمة، وليس إغلاق الموقع برمته، وأضاف كذلك، بأن المادة 206 تنطوي على تأويلات مفتوحة، من شأنها المساس بالمسار الديمقراطي، حيث أن مفهوم الولاء للدولة غير مفهوم، لكون الولاء ينبغي أن يكون للوطن وليس للدولة من الناحية الموضوعية، ولذلك، اعتبر المتدخل أن هذه المادة على شكلها الحالي يمكن أن تستهدف المواطنين الصحراويين، الذين يؤمنون بالطرح الانفصالي أو غيرهم في شمال المغرب مثلا، علما أن المواثيق الدولية تكفل للجميع حق الإعراب عن مواقفهم السياسية بطريقة سلمية وحضارية، كما جاءت المسودة بمواد قد تتسبب في تكبيل يد الناشطين في الدفاع على حقوق الإنسان ومناهضي الفساد، خلال رصدهم لجرائم الرشوة وكل مظاهر الفساد، وقدم أبرز مثال على ذلك، ما نصت عليه المادة 1-448 من المسودة "يعاقب بالحبس من ستة أشهر الى ثلاث سنوات و غرامة من 2000 الى 20.000 در هم، كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها. : ففي هذه المادة تقويض لجهود مكافحة الفساد والاستبداد، وفي المادة 503-1، اعتبرت المسودة توجيه رسائل بين أصدقاء مثلا قد يترتب عنه اتهام تعسفي بارتكاب جرم، حيث من شأن هذه المادة أن تؤدي إلى المس بحرية التعبير بين الأشخاص.
كما أكد المتدخل بأن الجدل الذي صاحب مناقشة مضمون التعديلات على مشروع القانون الجنائي المقترحة، خرج عن السياق الموضوعي، الذي ينبغي أن يستحضر جوهر التشريع، والمتمثل في مراعاة التوازن بين المصلحة العامة، وما تقتضيه من حماية للعقد المشترك، الضامن الحقيقي للسلم وللتعايش بين أفراد المجتمع، وبين الحريات الشخصية، التي تكفلها المواثيق الدولية ويكفلها الدستور المغربي، حيث اعتبر أن الجدل بات سجالا قيميا، يسعى إلى الطعن في قيم المجتمع، التي لا يمكن التنكر لها في عملية التشريع، لما تنطوي عليه من مخاطر دفع الناس لأخذ ثأرهم بأيديهم، فتجريم الإفطار علانية في رمضان، حيب المتدخل يهدف من جهة إلى احترام مشاعر المواطنين من بواعث الاستفزاز والإثارة، ومن جهة أخرى يحمي "مفطري رمضان" من التعرض لممارسات تمس سلامتهم الشخصية، كما أن تجريم الخيانة الزوجية والفساد تنطوي على حماية نواة المجتمع، ألا وهي الأسرة، كما تحمي حقوق الناس من الانتهاك...
أما السيد هشام بلاوي، فقد عبر في البداية عن استغرابه لتركيز المنتقدين في انتقاداتهم حول ما سماه "الثالوث المقدس"، "الضمير والعقيدة والجنس " في حين أن المواد المتعلقة بهذه المواضيع لم يشملها تعديلا جوهريا، في مقابل التغاضي المبيت عن أهم المستجدات، التي تعتبر ثورة حقيقية في مجال التشريع، وقد استحضر في هذا النطاق كيف سعت هذه المقترحات إلى حماية الأسرة (المرأة والأطفال) من خلال تجريم تفويت او ضياع الأب لممتلكاته للتنصل من المسؤولية المادية إزاء أسرته، وتجريم نهب المال العام، والإثراء غير المشروع، كما أتي بجديد على درجة من الأهمية، من خلال عدم تنفيذ العقوبة أو وضع حد لتنفيذ العقوبة الجاري تنفيذها في حالة تنازل الطرف المدني أو حصول الصلح بين الطرفين، بعدما أصبح ممكنا إسقاط الدعوى العمومية، وتشديد العقوبة على مغتصبي الأطفال، وما إلى ذلك من التعديلات الجوهرية،
ولفت المتدخل إلى أن موضوع زعزعة عقيدة مسلم، لم يتم استيعاب مضامينها من قبل بعض المنتقدين، حيث أكد أن الأمر يتعلق بالتورط في استمالة مواطنين من خلال استغلال فقرهم أو وجودهم في ذائقة مالية صعبة، وما إلى ذلك من أساليب الاستمالة غير المشروعة، أما من يغير دينه فهذا يدخل في نطاق حرية العقيدة، ولا شان له بمنطوق الماجة التي تتعلق بجريمة زعزعة عقيدة مسلم، التي جاءت بها مسدوة مشروع قانون الحنائي,
وفيما يتعلق بمداخلة السيد محمد عنبر، فقد تساءل هذا الأخير عن السر وراء تقديم هذه المسودة في هذه الظروف، والمغرب مقبل على الانتخابات، وبالتالي يحتمل أن يكون الأمر مجرد حملة انتخابية سابقة لأوانها، كما اعتبر أن المقاربة الزجرية المشددة التي تتسم بها المسودة تجعل وكأن المغاربة كلهم مشروع سجناء ومجرمين، وتساءل المحاضر حول ما يعتبره من باب الأولويات المنطقية في كل مشروع إصلاح العدالة، حيث كان لزاما على وزير العدل والحريات، أن يقدم مشروع قانون السلطة القضائية بداية، باعتباره الأساس لكل القوانين الأخرى، خاصة مآل استقلالية النيابة العامة، وما لذلك من تأثير جوهري على كافة القوانين وعلى المساطر المزمع تعديلها، كما تساءل كيف أن القانون الجنائي يتحدث عن إهانة موظف، ولم يعر أي اهتمام لإهانة المواطن، حيث كثيرا ما يتعرض المواطن لهدر كرامته داخل المؤسسات، ويتم فوق ذلك تلفيقه تهما ثقيلة، وتكييفها في إطار إهانة موظف أثناء تأديته لمهامه، وزاد المتدخل بأن الحكومة تسعى من خلال مشاريعها إلى استعمال الدين، وتسعى من وراء ذلك إلى الترويج لخطورة الحداثيين وتأليب المجتمع عليها، كما تساءل عن السر في عدم الحديث عن تجريم الإثراء غير المشروع بالنسبة للمدنيين والعسكريين على حد سواء.
أما الأستاذ عبد المولى الماروري، فقد تركزت مداخلته حول أهمية القيام بتعديل شامل للقانون الجنائي، خاصة وأن الترسانة القانوني ضلت على حالها منذ 1962، إلا من بعض الرتوشات والتعديلات الجزئية، التي تركت جوهر القانون الجنائي على حاله. كما أكد على ضرورة تحلي الحقوقيين والقانونيين بروح المسؤولية، والدفاع عن الحق كحق في مسألة التشريع، مهما كانت خلفية من يقودون الحكومة، أو طبيعة الأغلبية والمعارضة داخل البرلمان، ولم يفت المتدخل من التذكير بأن فلسفة القانون الجنائي أصلا مبنية على سلب حرية من ارتكب جناية في حق شخص أو في حق المجتمع، كما استحضر المتدخل اعتبارت إيجابية ميزت مسودة مشروع القانون الجنائي، أهمها موائمة الدستور المغربي، والاتفاقيات الدولية، واعتمادها على جملة من توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، كما ثم استحداث العقوبات البديلة، وثم تجريم ممارسات التعذيب وكافة مظاهر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجرائم الإبادة وجرائم الحرب والاتجار في البشر، وجرم الذهاب إلى مناطق التوتر بنية المشاركة في القتال، وفي ختام مداخلته شدد المحاضر على ضرورة إعادة النظر في قانون 03، المتعلق بمكافحة الإرهاب، والذي يشكل انتكاسة حقيقية في مسار احترام مبادئ حقوق الإنسان، بما يراعي حق المشتبه فيه في محاكمة عادلة، وتحقيقا لدولة المؤسسات ودولة الحق والقانون.
وقد خلصت مناقشات المتدخلين والحضور إلى ضرورة أن يتم تنقيح المسودة بشكل شامل، بما يمكن من أن تعكس التوازن المنشود بين الحفاظ على المصلحة العامة، من خلال حماية القيم المشتركة في المجتمع، وكذلك صون الحريات العامة وكذا الحريات الفردية، في إطار التزام المغرب إزاء الاتفاقيات الدولية.
وقد تقرر في الختام رفع توصيات الندوة، على شكل تقرير مفصل إلى وزارة العدل والحريات، تتضمن أهم مطالب التعديل المقترحة.
حرر في الرباط بتاريخ 10 ماي 2015
المكتب التنفيذي للمركز المغربي لحقوق الإنسان
منظمة ديمقراطية مستقلة
توقيع الرئيس : عبد الله الخضري