إبادة العلويين في سوريا تسقط قناع حكومة أحمد الشرع عن وجه عصابات الجولاني التكفيرية الطائفية.
.
قلم : د. محمد أكديد
لم يدم الانتظار طويلا حتى تكشفت أقنعة الجماعات المسلحة التي تسلمت بقيادة الجولاني أو الرئيس الغير منتخب (أحمد الشرع) كما بات يسميه الإعلام الدولي حكم دمشق من أمريكا بتنسيق مع تركيا، حيث قامت هذه العصابات التي تلقى أغلب أفرادها تداريبهم في معسكرات داعش والنصرة وماوالاهم من جماعات التكفير والإرهاب بالهجوم على العلويين بالساحل السوري والقيام بإبادة جماعية وحشية في حقهم متدرعين بحجة محاربة فلول النظام السابق، كما حاولوا لصق جرائمهم النكراء بهذه الفلول التي إنما عادت بعض ألويتها لحماية جزء من حاضنتها الشعبية في الساحل السوري، والتي تعرضت للتنكيل والاضطهاد والنهب والقتل على الهوية منذ الأيام الأولى لدخول هذه العصابات التكفيرية الطائفية التي لن ينسى التاريخ والضمير الإنساني جرائمها السابقة عندما كان أغلبها منضويا تحت لواء الجماعات التكفيرية الإرهابية التي روعت الآمنين في سوريا والعراق ولبنان وعلى رأسها داعش. بل إن زعيمهم الذي تحول بقدرة قادر إلى جنتلمان يلبس هنداما عصريا بربطة عنق قد بدأ رحلته من القاعدة مع الإرهابي أبومصعب الزرقاوي بالعراق، حيث تورط معه في إشعال فتنة طائفية هناك بتفجير مناطق الجنوب ذات الأغلبية الشيعية، وبالتالي تحريف بوصلة المقاومة ضد الأمريكي المحتل، والتي كانت تنخرط فيها فصائل سنية وشيعية في البداية، إلى اقتتال داخلي مذهبي بين أبناء البلد الواحد. هذه الحرب التي اجتهد في تكريسها مشايخ السلفية الوهابية بفتاوى التحريض ضد الشيعة الذين يعدونهم كفارا مرتدين، وليكمل رحلته بعد تصفية الزرقاوي نحو تنظيمات أكثر شراسة ودموية كداعش والنصرة قبل إشىرافه على تأسيس هيأة تحرير الشام التي يبدو أنها كانت الأقرب من حيث العدة والعدد إلى تسلم مفاتيح دمشق من المتآمرين وداعمي الإرهاب الدوليين الذي لم يجدوا غير هؤلاء القتلة الذين جاء أغلبهم من خارج سوريا لحكم هذا البلد المعروف بتنوعه الديني والعرقي والطائفي الجميل، وذلك بالرغم من وضوح تاريخهم الإجرامي، حيث أن أغلب قادتهم بمن فيهم زعيمهم الجولاني أو أحمد الشرع (حيث تدور الشكوك حول انتسابه إلى عائلة الشرع بل إلى نسبته إلى الجولان السوري أيضا)، كانت أسماءهم مدونة على لوائح الإرهاب الدولي، قبل أن يتم شطبهم بشروط يبدو أنها كانت لصالح من مهد لهم حكم البلد بأكثر مما كانت تعكس هواجس وانتظارات الشعب السوري المظلوم، الذي ظن أنه سيتذوق أخيرا طعم الحرية بعد سقوط نظام الأسد الذي ارتكب فعلا الكثير من التجاوزات ضد معارضيه خصوصا من الإخوان المسلمين، ولكنها لم تصل يوما إلى التصفية على أسس دينية أو طائفية أوعرقية فضلا عن الإبادة الجماعية الممنهجة التي قادتها هذه العصابات التكفيرية الغير منضبطة حتى لأوامر الجولاني الذي لم يستطع تنزيل قراره بأن تسلم الفصائل التي دخلت معه إلى سوريا سلاحها إلى الدولة.
هذا العصيان الذي كان من أبرز مظاهره قيام بعض هذه العصابات المسلحة داخل الجيش بمجازر في حق مخالفيهم في المذهب والدين خصوصا ضد أفراد الطائفة العلوية التي يتهمونها بالوقوف إلى جانب النظام السابق وباستفادتها من الريع خلال عقود حكمه. وهو أمر يبقى محط جدل، لأن أغلب أفراد هذه الطائفة التي تعتبر أقلية في سوريا هم أناس مسالمون لم يحملوا السلاح ولم يصطفوا مع أي طرف ضد الآخر، بل إن بعضهم كان في صف المعارضين للنظام السابق، والكثير منهم كانوا ولازالوا يعيشون تحت عتبة الفقر. كما أن الجيش السوري السابق كان يتشكل من أغلبية سنية كما هو الحال في أغلب قطاعات الدولة لأن السنة يمثلون أكثر من نصف تعداد الشعب في سوريا وكانوا يشغلون مواقع متقدمة في الدولة والجيش أيضا.
لكن هؤلاء المجرمين التكفيريين لاتهمهم كل هذه الإحصاءات والحقائق، لأن ما يوجه ممارساتهم الطائفية الحقودة أمر قديم يعود إلى فتاوى ابن تيمية في قتل النصيرية أي العلويين ومن سار على دربه من فقهاء التطرف والتكفير من مشايخ السلفية الوهابية في عصرنا مما يأخذه أنصار التيارات التكفيرية وبعض تيارات الإسلام السياسي مأخذ المسلمات ويدينون به. وقد باتت قيادات الجولاني تتوعد بالانتقام من العلويين والشيعة والدروز في سوريا والتنكيل بهم في أقرب فرصة ممكنة، حتى أن بعضهم كان يتباهى بذلك على حساباته في وسائط التواصل الاجتماعي، كالناطق الرسمي باسم الحكومة السورية الجديدة محمد الفيصل، والذي نشر عددا من التغريدات من بينها: “اللهم مكن سكين المجاهدين من رقاب قرود الجبل”، يقصد بذلك العلويين الذين يقطن جزء منهم بالجبال، وفي أخرى: “بإذن الله سيرحل الشيوعيون ويسحق الشيعة على أرض سوريا الحبيبة”، والمسؤول في وزارة الإعلام أوس مصطفى الذي نشر في حسابه: “ألقوهم في البحر كي لايقال إن الأسماك جاعت في ديار بني أمية”، يقصد العلويين أيضا.
هؤلاء مسؤولون في الحكومة فما بالك بشذاذ الآفاق من التكفيريين الذين يحملون السلاح داخل الجيش وقوات الأمن التابعة للجولاني، والذين فضحت عشرات المقاطع المصورة تهديداتهم ووعيدهم ضد الأقليات الدينية والمذهبية في سوريا، حيث قاموا بتنفيذ هذه التهديدات خلال اليومين السابقين تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي المنافق، والذي يتحمل جزءا من المسؤولية عن الإبادة الجماعية المستمرة في سوريا ضد الطائفية العلوية، دون أن ننسى الدور التحريضي الذي تمارسه بعض القنوات المضللة كالجزيرة والعربية، والتي أسقطت وسائط التواصل الاجتماعي كل جهودها في تلميع صورة الجولانيين بسوريا وطي صفحات ماضيهم الإرهابي، وكشفت أكاذيبهم المستفزة و محاولاتهم اليائسة في نسبة مجازر هذه العصابات التكفيرية داخل الجيش الجديد إلى “فلول” النظام البائد، رغم نجاحها في تغييب الحقيقة عن جمهور عريض من الرأي العام العربي الذي اختلطت عليه الأمور نظرا لحجم التزوير والتعتيم الإعلامي الكبير الذي تمارسه هذه الأذرع الإعلامية التابعة لنفس الدول التي تآمرت على سوريا لعقود لتمهد الطريق في النهاية لهؤلاء الإرهابيين الغير منضبطين لا للقانون ولاحتى لأحكام الدين الذي يتسترون به للقيام بجرائمهم النكراء.
ختاما، ندعو كل الشرفاء والأحرار في هذا الوطن وعبر العالم إلى التنديد بهذه المجازر الوحشية التي تستهدف المدنيين العزل بعض النظر عن هويتهم الطائفية، والحذر مما يروجه الإعلام المتواطئ افتراءات مضللة لأهداف سياسية مشبوهة، كما ندعو المجتمع الدولي والدول ذات سيادة أن تراجع مواقفها تجاه هذه العصابة التي باتت تحكم سوريا بنفس عقلية التكفير والإرهاب التي تحاربها هذه الدول وتعاني أجهزتها الأمنية الأمرين لإيقاف عمليات خلاياهم النائمة فيها قبل فوات الأوان.
كان الله في عون العلويين في سوريا والرحمة للمدنيين الأبرياء من ضحايا هذا الهجوم الوحشي الغادر.
ملحوظة: قبل أن أنهي هذا المقال وصلني خبر إعدام يوحنا يوسف بطرس الأب الروحي لكنيسة مار الياس في طرطوس من طرف هذه العصابات. فلروحه السلام ونأمل ألا تمتد هذه الإبادة للمجتمع المسيحي هناك أيضا.
.... باحث في علم الاجتماع السياسي