“العيد الكبير”.. نحن والآخرون
بقلم: عبد الرفيع حمضي
“قربان بيرمو” في تركيا، و”القربان” في إيران، و”الحجاج” في البحرين، و”الكبير” في كل من المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، السودان، سوريا، الأردن، لبنان وفلسطين.. كلها أسماء لمناسبة واحدة: عيد الأضحى، حتى وإن لم يكن اليوم نفسه عند جميع المسلمين وفي مختلف البلدان الإسلامية، ويزداد الأمر تعقيدا بالنسبة للأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية، فالعاشر من ذي الحجة ليس يوما موحدا للجميع، بل يخضع لرؤية الهلال وتحديد موقعه، أو لحسابات علم الفلك وحركة النجوم، وهذه مسألة أخرى يختلط فيها الديني بالعلمي، مع تدخل السياسي عنوة، مما يخرجها من نطاقها الشعائري إلى دائرة المصالح والعلاقات الدولية، الثنائية منها والمتعددة الأطراف، وتوازناتها في العالم الإسلامي.
ورغم كل الاختلافات، يبقى المسلمون، بمذاهبهم وفرقهم، سواء الشيعة بتياراتها المتعددة (الاثنا عشرية، الأصولية، الإخبارية، الشيخية، العلوية، الزيدية، الإسماعيلية)، أو السنة بمذاهبهم الأربعة (المالكية، الحنبلية، الشافعية، الحنفية)، متفقين على أن عيد الأضحى شعيرة دينية تمتد جذورها إلى قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، وأن جوهرها التقرب إلى الله من خلال التضحية، والإيثار، والعطاء، والتقاسم، والمشاركة.
وعندما سنّ الرسول ﷺ هذه الشعيرة، لم يفته أن الفقر والحاجة معطيان ثابتان في حياة البشر، حاضرا ومستقبلا، ولهذا كان النبي محمد ﷺ يضحي بكبشين، أحدهما عنه والثاني عن أمته إلى يوم الدين..
بهذه البساطة، وبهذا الوضوح، تم تأطير هذه الشعيرة كسنة نبوية ثابتة منذ إقرارها وانتشارها بين عامة المسلمين وخاصتهم.
النقاش المتكرر كل عام
مع اقتراب عيد الأضحى، تنشط النقاشات في المقاهي، والإدارات، والمقاولات، والشارع، وحتى على شبكات التواصل الاجتماعي، ويتمحور الجدل حول جوانب اجتماعية متكررة: الاستدانة من أجل شراء الأضحية، المطالبة بتقديم الأجور، بيع بعض التجهيزات المنزلية، التباهي بحجم الكبش وسلالته (الصردي، تمحضيت، البركي، أغنام أبي الجعد، بني كيل “الدغمة”)، بالإضافة إلى الظروف غير الصحية للذبح في الشقق، حيث يتفق الجميع على أن طبيعة السكن الحديث لم تعد تسمح بممارسة هذه الشعيرة داخل المنازل، في غياب بدائل محترمة للمعايير الصحية، ومع ذلك، يكتفي البعض بالتبرير المعتاد: “اللي عطا الله هو هذا !”.
لكن، في مجتمع متحضر في القرن الحادي والعشرين، لم يعد مقبولا الاستمرار بهذه العادات دون البحث عن حلول أكثر تنظيما واحتراما للصحة العامة.
ازدواجية الخطاب والممارسة
المثير للانتباه هو التحول الذي يطرأ على مواقف الأفراد بين النقاشات الخاصة والممارسات الفعلية، إذ نجد نفس الأشخاص الذين ينتقدون هذه العادات في المكاتب والمقاهي، يخضعون لها عند عودتهم إلى المجتمع وكأنهم أشخاص آخرون، مسيّرون بالعادات الاجتماعية الموروثة أكثر من كونهم متمسكين بجوهر الشعيرة الدينية.