مطالب الشغيلة التعليمية وغياب الديمقراطية
بقلم : محمد الأغظف بوية
عندما خاض المفروض عليهم التعاقد معركة قاسية وتمنكوا من إيصال ما وقع لهم من حيف وظلم، وبالرغم من كل المسيرات والمظاهرات لم تتوقف آلة الحكومة عن رفض مطالبهم العادلة وكأنها أقسمت على الاستمرار في مواجتهم بأقسى أنواع الاسلحة وأفتكها. إنه سلاح التجاهل أو ما يسميه المغاربة ب "ضرب راسك مع الحيط" او "شرب ماء البحر" كناية عن إفعلوا ما شئتم فلن نتخلى عن مضمون التعاقد.
وبعد سنوات من النقاشات الحادة، والأبواب المفتوحة لحوارات عمومية، لم تتجرأ وزارة التربية الوطنية على الاعتراف بأخطاء أرتكبت، جعلت عشرات الالاف من المدرسين يخرجون للشارع بل وتمكنوا من إقناع جزء من عامة الناس بعدالة قضيتهم ومطلبهم الحق القائم على نقض التعاقد وفتح الترسيم أمامهم.
احتفل قبل أيام الشعب المغربي بذكرى المسيرة الخضراء، وإن كانت المسيرة التاريخية من أهدافها المسطرة وحدة البلاد واستكمال وحدتها الترابية، فقد خرج الالاف في مسيرة مكملة للأولى.
أبناء المسيرة الخضراء هم من خرجوا يطالبون بحقوقهم المشروعة والمهضومة، انتفضوا ضد قوانين جديدة تحمل قواعد وضوابط تكبل المدرس وتخنقه، وتساير مواقف معلنة واخرى خفية تستهتر بقيمة المدرس، في خطوات تدفع بالتقليل من رمزية المدرسة العمومية وإضعافها مقابل الدفع نحو تشجيع التعليم الخصوصي.
منذ أسابيع عدة ظهرت على الساحة التعليمية خطابات ترفض ما يسمى بالنظام الأساسي، ليتطور الخطاب من رفضه جملة وتفصيلا إلى الدعوات للخروج إلى الشارع والدعوة لمزيد من التعبئة الشاملة.
شلت المدارس على طول البلاد وعرضها، وبلغت نسب الاضرابات إلى التسعين بالمائة، مما افقد السلطة التعليمية قدرتها على فهم واستيعاب هذه الهزات القوية.
لم يكن أحد ينتظر مثل هذه الردات القوية بل حتى التيارات التقليدية من نقابات وهيئات وقفت عاجزة أمام هذا التحول الدراماتيكي والتحرك النوعي للأساتذة وكذلك لأطر الإدارة التربوية. الكل إذن خرج ليعبر عن رأيه وبشكل واضح وبعيد عن سياسات التحفظ أو ابداء نوع من الرغبة في الحوار.
مطالب محددة أقلها تخلي الوزارة عن النظام الأساسي، فلا حوار إلا بعد التخلي.
طبعا لا أحد يمكن التكهن بمدى قدرة الوزارة الوصية على التفاعل مع مطالب المحتجين، والسبب يعود أساسا لنوعية المخاطب اولا، وثانيا خلط الوزارة بين تلبية المطالب وهبة الدولة أو الوزارة.
من ينتظر تجاوب الدولة كمن ينتظر" دخول إبليس للجنة"، ففي دولة تنتمي للعالم الثالث يصعب على مسؤوليها الخروج من جبة الحكم والسلطة ليتحدثوا للناس ويعترفوا بما يحدث في الشارع.
الدولة الديمقراطية وحدها قادرة على الانصات لتعابير الشارع، بل وتشدد على معرفة واكتشاف الخلل لمعالجته وكل نبض ينطلق الا وتجد له حلا. خلافا للدول ذات البعد الأمني في سلوكها وسلطتها، فلا بديل عن المنطق الواحد لمعالجة المشاكل، والتي في الغالب تكون من صنعها اعتقادا منها بأن بقاء الدولة واستمراريتها رهين بتخلف الشارع وضعفه.