عبدالقادر الهلالي
هوامش أمنية داخل (خارج)الزيارة الملكية
هذه المقالة تعبر عن أحاسيس ولأنها أحاسيس أمنية جهوية:الاحساس ينطلق من الاطراف (الجهات) في مقابل المركز أو العاصمة. هل يوجد وطن من غير عاصمة؟... لأول مرة اتحيز للوطن ضد العاصمة لأن الجهة التي تحولت الى عاصمة اخلفت الموعد، اشبهها ببعض المواقع الصحفية، تجمدت احاسيسها "الجهوية" حتى أصبحت أكثر وطنية من المتطرفين في "الوطنية" (كما نقول أكثر ملكية من الملك)
1- بني ملال تحولت خلال أسبوع الى عاصمة بمناسبة الزيارة الملكية. اتحيز للوطن، شذوذا عن مواقفي الجهوية التي أشهرها دائما، ضد العاصمة، لأن الجهة (بني ملال) التي تحولت الى عاصمة اخلفت الموعد وجعلت مني ضابط أمن ممتاز(ضابط أمن المشاعر)، ما يجعلني أقترح مقاربة أمنية (أمن المشاعر) تستحق التجربة وقد يكتب لها حظ أحسن من مقاربة أمنية، سميت سياسة الأمن عن قرب، صفقنا لها من غير حذر في حين أن اعداء الوحدة الترابية اقتنصوا صورة الحشود الأمنية التي دخلت باحتفالية كبيرة، كنا نراها نجاحا أمنيا يقترب من المواطن ورآها العالم كغزو حقيقي لمدينة مغربية (مدينة العيون) احتلها الوطن بقوات امنية[1].
رسالة غير لائقة
2- أمن الوطن هو الهم الأول لجهات الوطن، لذلك يسعدنا كجهات أمنها الوطني، وبروح وطنية عالية نرتكب ذنوبا كثيرة (في الطرقات كما في غيرها) لنغسل بذنوبنا الجهوية ذنوب الوطن، الوطن الذي يحتاج الينا لتحسين ميزانه التجاري الذي يهبط (نزول اضطراري) ونحن نهبط معه، فوق أرضية هشة للغاية، تندر، لا قدر الله بما لا يحمد عقباه، وكل هذا بسبب ذنوب رجال الوطن، لا نخص فقط رجال الامن حتى لا نتسبب في إزعاج (السلطات الامنية ورجالها الاشاوس الذين يسهرون (لا ينامون ولا يغمض لهم جفن) من أجل أمننا جميعا.
اسمحوا لي أن أشارككم في هذا الاحساس الذي أحس به، الاحساس الذي جعلني أكتب رسالة ادارية، لا تخضع لمواصفات الرسالة "اللائقة "، لم أبدأها بتلك الافتتاحية (المخزنية) التي تجعلنا نغرق بخشوع في الدعاء لمولانا الامام حتى ينسينا الخشوع ما نريد أن نكتبه (كما يليق بنا) لنكتب فقط ما يليق(بهم)
رسالتي اختصرت الطريق وقصدت مباشرة الى الوطن من طريق قصير، يشبه الطرق الثانوية التي نسلكها لاختصار المسافات، ولكنها هذه الطريق (السينية، س نأخذها كعدد مجهول، س= 5،4،3...الخ (كما نقول الطريق الثلاثية والرباعية و...الخ) هذا الطريق هو طريق الاحساسات وكل ما هو حسي.
بني ملال كانت ذات زيارة عاصمة الوطن.
3- الزيارة الملكية الى جهة تادلا أزيلال تركت ارتياحا عاما عند ساكنة الجهة(أحبذ استعمال هذه الكلمة لأنها تنسجم أكثر مع ميولاتي الجهوية (مقابل الوطنية و مشتقاتها حتى نصل الى كلمة المواطن من اتجاه واحد (علاقة من...). هذا الارتياح ساهم فيه أن الزيارة اقترنت ب تنقيلات على مختلف المستويات، من عربات، معدات، اشجار وغيرها من النباتات التي اقتلعت من تربة بعيدة وغرسوها في التربة الملالية) الى...تنقيلات بشرية تهم كل رجال الوطن(حيثما يحل الحاكم فثم عاصمة للوطن). كيف لا يفرح أهل جهة بني ملال وهم يمشون من غير أن يشعروا بأنهم يمشون في شوارع مدينة "امبريالية" ville impériale (مثل تاجر موليير الذي كان يتحدث نثرا من غير أن يعرف). بني ملال الأخرى(نسيت أصلها الجهوي وتحولت الى قاعة افراح بمساحة وطن و بتأطير وطني، يهمنا هنا بالخصوص التأطير الأمني من خارج المجال الجهوي، ضباط ،حراس أمن...الخ، استمتع المواطن الملالي، خلال فترة الزيارة الملكية، بهذا الأمن الرحال nomade الذي جعل الساكن (مفرد ساكنة) المحلي يشعر ولو لبضعة ايام أنه صاحب العرس وان هذه الحشود المتنقلة حشدها ممون الحفل traiteur. كنا نحن أهل العريس وكان الوطن مموِّنًا مأجورا لإحياء فرحتنا نحن. تيقنا أن الفريق الامني الذي انتقل الى بني ملال من العاصمة القديمة (العاصمة الجديدة تحولت الى مركز الزيارة الملكية، الممون ورجاله كان يحترم أهل الحفل ، هكذا تخيلنا، وتصورنا أننا نستقبل طينة تختلف عن طينة رجال الامن الذين نعرفهم. الفرق الكبير هو أننا أحسسنا معهم بأن الامن واحترام المواطن لا يتناقضان. كما تقول العبارة الدينية: أردنا وأراد الله، نقول ايضا: أراد الوطن وأرادت الجهة: لأول مرة اتحيز للوطن(ضد الجهة التي انتمي اليها) لأن الجهة الأمنية هنا هي التي أخلفت الموعد وأساءت عن قصد أو بدونه الى صورة الوطن. الأمن الملالي كان يخاف أن تبقى في ذهنية الملايين فكرة جديدة عن الامن: بني ملال كانت ذات زيارة عاصمة الوطن.
شكاية الى والي الأمن الملالي الذي يحضر حفلة زفاف بمدينة فاس:
4- حضرت مؤخرا الى عرس عائلي، نجحت أن أصنع من موائد الحفل، حلقات للنقاش العائلي حول محور الأمن الوطني وأمن الجهات حتى أصبحت أسمع من يناديني بدعابة(أنا هو والي الامن المكلف بأحاسيس المواطنين فقط)، بهذه الصفة وصلتني عدة شكايات، لا يمكن أن أقرأها جملة واحدة، ولأنني ضابط احاسيس ممتاز، أحسست بهذه الشكاية لأن صاحب الشكاية هي أختي، هذه المواطنة التي أحس بها لأنها قبل كل شيء أختي، نقلت لي هذه الحكاية الغريبة ، بهذه الصفة وصلتني عدة شكايات، لا يمكن أن أقرأها جملة واحدة، ولأنني ضابط احاسيس ممتاز، أحسست أكثر بهذه الشكاية، لأن صاحب الشكاية هي أختي، هذه المواطنة التي أحس بها جيدا، نقلت لي هذه الحكاية الغريبة (تغريبة أمن حي النهضة بالرباط) وملخصها أنها ركنت سيارتها في موقف يوجد بحي أكدال الرباط، وعندما رجعت لتأخذ سيارتها، كانت السيارة قد اختفت، لا احد عنده خبر أو افادة في الموضوع، واحد شرطي (ولد الناس يعني يحس بالناس) هو وحده الذي أرشدها الى أن الموقف ممنوع وأن كل السيارات التي لا تحترم المنع يتم جرها الى مستودع يوجد بحي آخر(حي النهضة) لماذا حي النهضة، تلك حكاية اخرى[2]. وسكتت شهرزاد عن الكلام المباح.
افراغ الدوائر الامنية لتحصيل المخالفات
5- المصيبة اذا عمت هانت: تغريبة حي النهضة، تغريبة بني ملال إشارات مرور من أجل الوقوف فقط، لا باس أن اختم بالعنوان أعلاه، أخذناه عن جريدة الصباح (الاربعاء 4 يونيو 2015) ، الخبر يهم مدينة الدار البيضاء، انزال أمني بشوارع هذه المدينة من أجل القيام بمهمة واحدة ووحيدة : ضبط مخالفات المرور، عفوا الوقوف... وتساءلت مصادر "الصباح" عن مدى قانونية هذا الانزال: 40 موظفا جلهم مفتشو شرطة و اداريون لا تتوفر فيهم الشروط القانونية( الشارة ، التكوين...) لمعاينة المخالفات فأحرى بتحرير محاضر بشأنها واستخلاص الغرامة الصلحية (فورا) فالأمن لا يتصالح مع المواطنين "المزاليط ".
تتبجح السلطات الأمنية بالمجهودات التي يقوم بها الامنيون: المؤشر هو ارتفاع عدد المخالفات التي (ضبطها ضباطنا الاشاوس) خصوصا اذا كان هذا المؤشر يلتقي مع انخفاض نسبة الحوادث، لا نحتاج الى اقناعنا بالترابط بين اسباب الحوادث ونوع المخالفات: لا نجد في سجل الحوادث حادثة ارتكب فيها السائق مخالفة وقوف، ليس معناه الامن هو الذي يمنع حوادث الوقوف، هذه الحوادث لا توجد أصلا. القانون الآتي: السائق الذي يجيد الوقوف يعرف كيف يتجنب الحوادث، تخريجة دعائية من غير ذوق، الاشهار الذي لا يحترم الذوق، إشهار سيء فما بالك بالإشهار الذي لا يحترم ذكاء الآخر
التربية الطرقية
6- لا يكفي أن نطبق القانون(هذا دور الهيئات والمؤسسات التي تتقن عملية الزجر وما شابه
ذلك من اجراءات)، عندما نتحدث عن القانون، جانب القوانين الزجرية لا يجب أن نعتبرها قوانين أساسية، اذن الزجر هو استثناء، الاساسي هو أن كل مواطن يكون مقتنعا بأن القانون ينظم العلاقة بين المواطنين، مع بعضهم أولا ثم مع الحاكمين، أليس الحاكم أيضا مواطن مكلف بمهمة سياسية ، محددة في الوقت وفي الاختصاصات، ومشرعنة بعملية قد تكون انتخابات وقد تكون تسلطا على رقاب الناس من غير أخد رأيهم (كان السلف الصالح يحنون أعناقهم للسلطان ليرضى عنهم، وأنتم تضعون أيديكم في جيوبكم. كاد المواطن الصالح أن يصبح محسنا يتصدق بالمخالفات، تسمى أيضا غرامات جزافية أو صلحية arbitraire ، الصلح هو المصطلح الجديد في الآداب السلطانية الحديثة، "لاربيطر" هو الحكم وهو الغريم أيضا. يا سبحان الله !
تعليقات:
أبلغ عن تعليق (لائق جدا)
صعب الفهم
ذ. حسن العمارى
تحية الى الأستاذ الكبير عبد القادر الهلالي
اقول لك الحقيقة اليوم ، وانا من متتبعي مقالاتك مند امد ، اقول انى اقرأ كل مادة مرتين الى 3 مرات ؟ لأنها تحمل معانى وكل معنى يحمل مغزى ، ومن الصعب العثور على الحل الا بعد التحليل المعمق .
مع الأسف الشديد ان مقالاتك لم نستوعبها الا من خلال هذ الجريدة أزيلال24 ، ولا ادرى، قد أكون قرأت يوما ما احدى مواضعك بملفات تادلة[3] على ما اعتقد.
المهم انك على كل لسان وتابع يا اخى والله معك .
انت لست كمثل الكتاب ، بل خطك التحريرى مختلف وجداب ...
في 05 يونيو 2014 الساعة 41 : 12
هوامش:
[1] ذخلت المجموعات الامنية التي تأسست على عهد الجنرال العنيكري، مهندس المقاربة الامنية :الأمن عن قرب) الى مدينة العيون، باحتفالية كبيرة وقد استغل أعداء الوحدة الترابية هذا الاستعراض الهائل الذي صوروه للعالم وكأنه احتلال لهذه المدينة بقوات أمنية. وكان هذا خطأ أدى ثمنه الجنرال المذكور وتم حل فرق كرواتيا بعده.
[2] الحكاية على ذمة الراوي هي أن ميزان المداخيل في حساب أمن حي النهضة لم يكن ينصف المجهودات التي يقوم بها الأمنيون هناك، والسبب يتحمله سكان هذا الحي لأنهم كانوا بخيلين جدا من جهة المخالفات، فاشتكوا الى رؤسائهم الذين أوجدوا تخريجة مناسبة: يسمح لأمن النهضة بالقيام بجولة صيد ذاخل محمية اكدال الأمنية، ويسمح لهم بمغادرة المحمية بواسطة سيارات الديباناج لجر الطرائد المقتنصة (سيارات المخالفين) التي تعوض نقص السيارات النهضوية.
[3] أشرت الى المواقع الصحفية التي... تجمدت احاسيسها "الجهوية" حتى أصبحت أكثر وطنية من المتطرفين في "الوطنية" واحدة منها كمثال انطلقت من قاع ازيلال، ثم اكتسحت جميع الجهات ووصلت حتى قاع فاس، وعندما وصلت درجة "اليقين "نست أصلها وفصلها وصدقت أنها وطنية من "قاع الوطن". عوض أن تأخذ المواطن معها، ابتعدت عنه ولم تعد ترضى بخلقته، فما بالك بالمواقع التي هربت بعيدا بعيدا عن الجهة (كتلك التي يذكرني بها د حسن العماري مشكورا)ا يحتاج المواطن الى أحاسيس أممية ليلحق مثلا بموقع معتمد لدى الأمم المتحدة (كذا!). الجهوية ليست ان نتكلم بلسان الجهة، الجهوية وعي وإحساس يتبع أحاسيس المواطن في أية جهة كان. مازلت أبحث عن جريدة وطنية (بمعنى لسان العاصمة)، تعطي للوطن المعنى الذي نفتقده: الوطن هو كل الجهات. لا نحتاج بعد الى الامم المتحدة للوصول الى هذا الهدف.