أضيف في 12 مارس 2016 الساعة 13 : 23
أنا و المراقب العام و زوليخا بنت دمنات
الحلقة 2
محمد أمدغوس
كنت أجري وألهث في ذلك الطريق الجبلي المقفر .و كان الغسق قد بدأ في الهبوط . و السماء ملبدة بالغيوم, والجو خريفي. وعندما عم الظلام جلست بين الصخور لأسترجع أنفاسي. وخوفا من أن يراني متربص ما , انحنيت بجانب صخرة كبيرة, ومشيت حبوا حتى وصلت قرب بئر مهجورة غير عميقة . استعنت بضوء كشاف خافت, و نزلت أدراجها المنحرفة. و في فتحة داخلية تكورت مسندا رأسي على كومة ترابية. فجأة تناهي الى سمعي صدي هدير سيارة ونباح كلاب عدواني. انتفض خافقي وجف حلقي, وقلت في نفسي اذا مشطوا المكان مع كلابهم البوليسية ومسكوني فقد قضي علي.ربما أخبرهم أحد المخبرين من القرى المجاورة التي مررت بها ؟ قد يكون الفلاح حمو الذي زودني بالخبز والماء. أوقد يكون شابا من الذين رمقوني وأنا أعدو بسرعة ...صور ومناظر استعرضتها بذهني مثل ومضات سريعة. كان صوت انفجار القنبلة التي زرعتها في سيارة المراقب العام أثناء مروره يوم السوق بخميس أيت ماج طن قويا. لم تترك لجسده الحقير أي أثر.لقد كان وحشا ساديا مع رفاقي الذين ماتوا تحت التعذيب .و لم يرحم العجوز فاطمة لحسن عندما جاءت تسأله عن ولدها رفيقي التهامي. فركلها في بطنها بحذائه العسكري القاسي. ولم يتواني في أطلاق الكلاب البوليسيةالشرسة في ساحة سجن مصباح على المناضل مبارك ولعيد الذي قضي نحبه تحت أنيابها. كانت أصواتهم ووقع خطاهم تقترب من البئر التي كنت أختبأ بها. أناروا بكشافتهم داخلها, كنت أري ظلال رؤوسهم وقبعاتهم في قعر البئر, ودقات قلبي تتسارع , تحسست مسدسي, لم تكن بداخله سوي ثلاث رصاصات. وفي الجراب الجلدي قنبلتان يدويتان. قررت أن أ رميهما عليهم لو فكروا في تفتيش البئر. لكنهم رجعوا على اعقابهم وهم يسبون ويتوعدون .استسلمت لنومة خفيفة ولما إستفقت تابعت المسير حتي وصلت الى دوار قريب من اولاد خلوف .مع أذان الفجر جلست لأستريح وأروي عطشي من خابية قرب جدار المسجد. كان الناس من سكان الدوار يمرون أمامي عند دخولهم باحة المسجد لمحت من بينهم الجاسوس المدعو ولد الليمورية الذي أبلي البلاء الحسن في الوشاية بالمقاومين .انتظرت حتي غادر المسجد تتبعت خطاه حتى سلك حوشا مليئا بشجر الزيتون. ثم صوبت فوهة مسدسي , وأطلقت رصاصة فجرت رأسه مثل حبة بطيخ. فانهار الحقير وتهاوي كسارية ثقيلة. وانا أقول له خذ اولد الحرام. ثم هربت مسرعا قبل وصول أسياده .و الى جانب الطريق المؤدية الى دمنات جلست انتظر حتي منتصف النهار حين لمحت شاحنة اليهودي بن ايشان تقاوم العقبات الوعرة.أشرت اليه كي يقلني, لكنه رفض, فهددته بمسدسي. صعدت الى صحن شاحنته واختبأت بين أكياس خيش. كان عددا قديما من جريدة لفيجي ماروكان موضوعا على جانب زجاج شاحنته, وعليه صورة مولاي احمد الفقيه الذي صنع القنبلة وسلمني اياها في مراكش قبل شهرين. لقد شخصوا هويته تبا لهم وتبا للعملاء الخونة . التفت الي ايشان من وراء مقعده مرتعدا : انتينا أسيدي من الوطنيين ايوة الله يلعن تاصيلت جد بو فرنسا. لم أنبس ببنت شفة. وعند قنطرة أيت معياض أوقف ايشان شاحنتة عند حاجز للدرك .ودار بينه وبين أحد الضباط كلام عن أرباحه القليلة في ورشة صناعة الصابون وبيع البنزين . ثم تابع المسير حتي وصل عند ساحة السوق نبرا, شكرته وهددته بالقتل ان وشي بي. قفزت من شاحنته ثم تواريت بين اشجار الزيتون, متوجها نحو بساتين أيت حليلي. وبقرب جذع شجرة كاليبتوس حفرت حفرة أخفيت بها القنبلتان اليدويتان والمسدس .وعدت أدراجي الى الملاح اليهودي . قصدت في البداية محل صانع الاحذية الماهر سموئيال .اشتريت زوجا من الأحذية ثم عرجت علي بيت امماه ايستير المرأة الضريرة المكافحة التي تعيش من صناعة الماحيا. اشتريت من عندها جرة من الماحيا. وعرجت على الجزار بن ضاني وابتعت عراما من مليجات لحم العجل. بعد ذلك طرقت باب صديقتي زوليخا بنت المالح. وما ان رمقتني من نافذة منزلها, حتي سارعت الى فتح الباب ,وسحبتني من يدي الى الداخل. أقبلت أمهارحيل ساخرة: اشويني فيك ماعرفتشي أش عاجبك فذاك الماجطني. رفعت رأسي نحوها وقلت لها: ألالة سارة خذي هاذ الخمسلاف فرنك صرفي علينا منها وصاوبي لينا العشا وماتنسايش شلاذة دمرقت حزينة . لمعت عينيها من الفرح وهي تمسك النقوذ مرددة :واخا واخا ازين الماجطني . جلست بداخل غرفة زوليخا أعب كؤوس الماحيا الواحد تلو الآخر .وهي تسألني عن سبب غيابي عنها لثلاث سنوات, وعن احوالي كان حديثها ذو شجون .وباحت لي بفسخ خطبتها عن خطيبها الدوس بن عمران وشكت لي خذلانه لها . زوليخا فتاة تتميز بشعر طويل فاحم, وحاجبان رفيعين, وعينين عسليتين, وخال على الشفتين. فارعة الطول, مع قد ممشوق, و خصر ممتلئ, .ونهدين نافرين كعنقودين كاملين من العنب الأبيض .عندما تخرج الى السويقة تشرأب نحوها الاعين والاعناق. وقد حاول ضابط فرنسي يدعي كوينتا, يشتغل في بيرو أعراب اختطافها ذات ليلة. حسب ماحكته لي. لكنني اعرف أنها بتحريض من أمها سارة. تمنح نفسها لمن يدفع اكثر خاصة من بعض الجنود ذوي الرتب الذين حاربوا مع فرنسا في الحرب العالمية التانية وعادوا بثروة هامة. يصرفونها علي بنات فندق ايشان, وكانتينة ديبي, واليهوديات الجميلات بالملاح. جاءت سارة بطاجين لحم العجل, وصحن مرقة حزينة . ازدردت الأكل كما ازدردت جسد زليخا .كان دفئ جسدها ودفئ ماحيا يسريان في جسدي كمخذر منعش. ولم أكد أستسلم لنوم عميق حتي سمعت طرقات قوية على باب منزلها. أنطلقت زوليخا مسرعة لتطل من النافذة . وهرعت نحوي مسرعة وقد اصفر وجهها: ويلي ويلي عرام ديال البوليس برا لبس حوايجك بالزربة يالله. قلت لها: واش نهرب من فوق السطوح؟ لا خذ هاذ لامبة وجوج د شميعات واتبعني . فتحت لي كوة سرية توجد تحت صندوق كبير, تفضي الى سرداب ينتهي عند دار الدباغ في اخر حي الملاح. وبسرعة نزلت الى داخل السرداب أتلمس طريقي كالأعمي , مستعينا بضوء الشمعة .الى أن رأيت فوقي فتحة دفعت غطاءها الخشبي بكلتا يدي,. فلفحني هواء دار الدباغ .وما ان طلعت حتي عدوت كالثعلب بين أشجار الزيتون... ....
يتبع
|
|
|