اليوم : الاحـد 02 ذو الحجـة 1432 هـ 30 اكتوبر 2011
الحسين إدريسي
كان عادل يضع شعراً مستعاراً أسود اللون مسدولاً حتى الكتفين (بيريك) وفوقه قبعة واقية من الشمس.. وعلى عينيه وضع نظارات سوداء،ويحمل حقيبة ظهرية، وفي يده قيتارة داخل غشائها.
كل من شاهد عادل بهذا الشكل، لا يمكن إلا أن يخاله سائحاً أجنبيا، من الجماعات المعروفة سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي بـ "الهيبي". ل ا يبدو عليه ارتباك، ولم تكن تقاسيم وجهه توحي بانزعاج أو خوف، فقط نوع من الاصفرار علا محياه، يوحي بالعياء أو الارهاق.. وربما يفضح دواخله المسكونة بالخوف، والتي يقاومها أمام مئات المواطنين الذين جاؤوا لمعاينة إعادة تمثيل الجريمة.
استقل عادل سيارة أجرة صغيرة من أمام محطة القطار، واتجه صوب ساحة مسجد الكتبة، حيث توقف لحظة، جلس إلى حافة صهريج نافورة صغيرة قرب مسجد الكتبية.. فتح الحقيبة واطمأن على "متفجراته" التي أعدها سلفا بعناية، ثم أعاد إقفالها بواسطة الخيط المربوط بها.
حمل على ظهره الحقيبة، وأخذ قيتارته واتجه صوب مقهى أركانة، حيث سلك الممر الذي يفصل فندق "البحر الأبيض المتوسط" وحديقة عرصة البيك.
دخل مقهى أركانة، وصعد إلى الطابق العلوي الذي يشرف على أهم أجزاء الساحة، فبدى عندما اقتعد احدى الطاولات مثله مثل السياح الذين اعتادوا تناول وجبة الغذاء.. طلب مشروبا واحتساه، ثم انسحب تاركاً حقيبته وقيتارته في المكان.
عندما غادر عادل مقهى أركانة، سلك الممر المؤدي إلى شارع مولاي اسماعيل، مابين عرصة البيلك والوكالات البنكية.. وعندما تجاوز الحاجز الأمني الذي يمنع دخول السيارات إلى الساحة.. وبالضبط قرب محطة الوقود، ضغط عادل على زر هاتفه المحمول، وعينه على سطح المقهى.. حيث سمع ذوي الانفجار وشاهد تطاير البشر والأشلاء.. وعندما "اطمأن" إلى نجاح مهمته، استقل سيارة أجرة، واتجه مباشرة إلى المحطة الطرقية بباب دكالة.
دخل عادل إلى الحديقة المقابلة للمحطة الطرقية، واقتعد أحد الكراسي الحديدية، فتخلص من الشعر المستعار، ثم توجه إلى الجهة الخلفية للمحطة، حيث استقل سيارة أجرة كبيرة، وغادر مراكش في اتجاه مدينة آسفي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى مستوى بعض مضامين محاضر الشرطة القضائية التي قالت إن المتهم عادل العثماني كان ينوي الانتقال من سوريا إلى جورجيا، قال المحامي حسن محب إن جورجيا ليست دولة جارة لسوريا وبالتالي لا يمكن الحديث عن حدود جغرافية بينهما. يشار إلى أن القاضي رفض إعطاء الكلمة لممثل النيابة العامة للتعقيب على ملاحظات دفاع المتهمين، وبذلك اختتمت جلسة الخميس الماضي في وقت متأخر بعد نحو 5 ساعات من الجدال القانوني.
وخلال حديثهم قبل النطق بالأحكام أجمع المتهمون على إنكار ونفي أي علاقة لهم بما جرى. سواء بالضلوع المباشر في التفجير أو بالمشاركة فيه أو من خلال عدم التبليغ عن الجريمة. وقال المتهم الرئيسي عادل العثماني إنه يعول على المحكمة أن تنصفه وتبرهن أن المغرب دخل فعلا في مرحلة ديمقراطية جديدة لا يأتمر فيها القضاء بالتعليمات. ولا يتم الزج بالأبرياء في السجون فيه لأغراض سياسية، على حد قوله.
من جهته، قال حكيم بلمداح، المتهم الرئيسي الثاني، إنه لم يسبق له أن وقف أمام أي محكمة، نافيا أي صلة له بما جرى في مقهى «أركانة» في 28 أبريل الماضي. بينما تساءل الشاب عبد الصمد بطار متحدثا عن نفسه: هل الشخص الإرهابي يعرف معنى الحياة ويتزوج ويقيم حفلا مميزا بقاعة للأفراح ويهوى السفر وركوب الدراجات؟! وهذا ما يعرفه عنه أقاربه وجميع معارفه في مدينة أسفي (جنوب الدار البيضاء)، ونفى مشاركته في نقاشات حول الفكر السلفي الجهادي، وأضاف أنه لم يسبق له أن ناقش أمور الصلاة مع إخوانه لأن منهم من لا يصلي، حسب قوله. وطلب بطار من المحكمة تبرئته مما نسب إليه ومما أقحم فيه، مشيرا إلى المعاناة التي تعرض لها خلال أطوار التحقيق وفي السجن، التي جعلت وزنه ينقص بنحو 20 كيلوغراما، وهو الذي كان يزن 85 كيلوغراما قبل حادث تفجير «أركانة». المتهم الرابع وديع سقيريبة أدان الإرهاب، ونفى علمه بهذه الجريمة الإرهابية، ولم يخف في حديثه أمام القاضي حبه لزوجته التي تزوجها حديثا قبل اعتقاله على خلفية تفجير مقهى «أركانة». إلى ذلك، قال سقيريبة إن أمه أحسنت تربيته بعد وفاة والده، وحرصت على تعليمه القرآن الكريم والفقه حتى صار إمام مسجد. وأضاف جازما: «لا يمكن أن يكون هذا المتهم ابنك يا أمي».
ومن جانبه، قال عز الدين الشدادي، إن كل ما كان يعرفه هو الرياضة وكرة القدم بشكل خاص وليس الإرهاب، نافيا أي علاقة له بما جرى. بينما أفاد إبراهيم الشركاوي أمام القاضي أنه وجد نفسه مقحما في هذه القضية وفي السجن، ولم يسبق له أن كان مواظبا على الصلاة حتى أُدخل إلى السجن.
ولم يتمالك محمد رضا نفسه، وأجهش بالبكاء في القاعة، وقال إنه مظلوم، وسرد تفاصيل إلقاء القبض عليه ليلا. ووصف ذلك بالاختطاف والغدر. أما محمد نجيمي، وهو المعتقل الوحيد الذي كان يمثل في حالة سراح مؤقت، وهو مهاجر بإحدى الدول الأوروبية، قال إن له ثقة كاملة في القضاء المغربي لينصفه. وبكى هو الآخر أمام القاضي، وقال إن أوضاعه النفسية والاجتماعية تضررت بسبب هذه القضية. حيث لم يعد يقوى على النوم إلا عن طريق المهدئات.
وكان آخر المتحدين، المتهم التاسع عبد الفتاح دهاج الذي قدم التعازي لأهل الضحايا، والتمس من القاضي تبرئته، موضحا للمحكمة أنه لو كانت له يد في هذه الجريمة أو علاقة بالفاعل المفترض، لكان هو من سيتولى صنع المتفجرات أو سيقوم بالتفجير مباشرة وليس أي أحد غيره، وذلك بحكم تكوينه وتخصصه في الهندسة الكيميائية. وانقطع كلامه للحظات بسبب الدموع، حيث بكى بسبب ما تعرض له من سوء المعاملة، ولمح إلى ذلك بقوله: «إن أعز ما يملك الإنسان الشريف هو شرفه». واختتم كلامه طالبا تبرئته ليغادر السجن، حيث تنتظره زوجته التي لا تجد من ينفق عليها.
وبعد انتهاء جميع المتهمين من الحديث، رفع القاضي الجلسة، من أجل المداولة في القضية ولم يتم استئنافها إلا بعد الساعة الخامسة مساء، حيث دامت المداولات 5 ساعات. وبعد عودة الهيئة القضائية إلى قاعة المحكمة، ساد صمت رهيب لحظة ما قبل قراءة الأحكام. وأعقبتها حالة من الاحتجاج، إذ قررت عائلات المدانين عدم الخروج من القاعة التي احتضنت جلسات هذه المحاكمة واستغرقت نحو 5 أشهر. بيد أن رجال الأمن تعاملوا بمهنية مع الأحوال النفسية لعائلات المتهمين، التي بدت مصدومة من الأحكام الصادرة في حق أبنائها. وحصلت حالة إغماء لأم زوجة الشاب عبد الصمد بطار الذي حكم عليه بـ4 سنوات سجنا نافذا، لكن سيارة الإسعاف أسرعت في نقلها إلى أحد مستشفيات المدينة، وأصيبت كذلك شقيقة المحكوم عليه بالإعدام، عادل العثماني، بحالة هستيرية عند باب قاعة المحكمة.
ومن جهة أخرى، عبر عدد من أهل الضحايا ارتياحهم للأحكام الصادرة، وإن كان من بينهم من رفض حكم الإعدام والبعض الآخر وجد في الحكم بسنتين سجنا في حق من لم يبلغوا بالجريمة حكما مخففا. يذكر أن أفراد هذه الخلية، البالغ عددهم 9 تمت متابعتهم من أجل تهم «تكوين عصابة لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية والاعتداء عمدا على حياة الأشخاص وعلى سلامتهم، وصنع ونقل واستعمال المتفجرات خلافا لأحكام القانون في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب وعقد اجتماعات عمومية من دون تصريح مسبق وممارسة نشاط في جمعية غير مرخص لها»، كل حسب المنسوب إليه. مقهى «أركانة» في ساحة جامع الفنا بمراكش كانت قد تعرضت لاعتداء إرهابي خلف 17 قتيلا مغربيا وأجنبيا وإصابة 21 شخصا بجروح متفاوتة الخطورة.