قبل أن يصبح سلطانا محل محمد الخامس:بن عرفة خطف معشوقته وهرب للشمال
بقلم : ذ. مصطفى العلوي
الذين يهتمون بالتاريخ المغربي، ويراجعون التفاصيل والجزئيات، ويتفحصون بعض الصور القديمة للشخصيات، وكان يرسمها خبراء الرسم الإنجليز والفرنسيون، سيجدون في المظهر والمخبر، للأحداث والأشخاص، تشابها كبيرا، بين ظروف السلطان مولاي عبد العزيز 1894-1908، وقد أصرت أمه التركية “قيقة”، الزوجة المفضلة عند أبيه الحسن الأول(…) والتي ربطتها علاقات متينة بالرجل القوي باحماد، فضغطت أم عبد العزيز على الوزير القوي ليستعمل قوته ويعين ولدها الطفل، سلطانا بدل الرجل العظيم الحسن الأول، وكانت تلك إحدى الأغلاط الكبرى في تاريخ المغرب، ليلة الاحتلال الفرنسي، حيث انشغل السلطان الشاب بالألعاب وتفنن المتصرفون باسمه في شغله بما وصفه المؤرخ الفرنسي “لويس أرنو”: ديوان الملاغة(…) واستغلوا ضعفه لبيع الصحراء المغربية للفرنسيين، قبل أن يجد رفيقا له، صديقه المنبهي، الذي هيمن على السلطان الشاب، وأصبح رفيقه الأوحد.
لنرجع للتشابه في المظهر والمخبر(…) حينما فطن السلطان مولاي عبد العزيز، إلى حتمية تعيين رئيس للحكومة، يتولى تسيير أمور المخزن، ويترك السلطان وصديقه يتملغون.
ليكتشف المؤرخ الفرنسي في المحيط السلطاني، ويكتب، أن صديق السلطان المنبهي أصبح يضايق حكومة رئيس الحكومة الحاج المختار ((وكان فقيها(…) وعالما مثل الشيخ شعيب الدكالي، وأصبح الصديق المنبهي يتضايق من وضعية وزراء الحاج المختار(…) الذين أصبحوا مهمشين(…) لا يعلمون لماذا تصدر عدة قرارات دون استشارتهم، ليستجمع رئيس الحكومة الحاج المختار شجاعته، ويعلن – بوسائل ذلك الزمان – أن هذا الصديق المنبهي، مبتدئ لا يشعر أن بجواره وفوقه وتحته وزراء أكثر منه أقدمية، فنرى من واجبنا أن نشعر سيدنا أن هذه وضعية ستحدث عنها مصائب لا نريد أن نكون مسؤولين عنها)) (كتاب: زمن المحلات. لويس أرنو).
وكانت انشغالات الصديق الوزير المنبهي، منكبة على الاستفادة من هذا الفراغ المخزني(…) واستفحلت ظاهرة بيع المناصب(…) وشراء الاستقالات(…) حيث كان للمنبهي مساعد سمسار(…) يسمى قدور الخلال، ثبت في حقه يوما: ((أنه أخذ من قايد بدكالة يسمى الحاج مبارك بنبوشتى، ما قيمته أربعين ألف فرنك لتوسيع منطقة نفوذه، وكانت وسيلة تدر الكثير من الأموال على خزينة المخزن)) (نفس المصدر).
وربما سمع السلطان، باستفحال هذه الظاهرة، ليذهب الوزير الصديق المنبهي عند مولاي عبد العزيز، ليقنعه بأن هذه التصرفات، تأتي بعلم رئيس الحكومة الحاج المختار، ورغم ذلك يذهب دهاء المنبهي، إلى إقناع السلطان، بقبول هذه التصرفات، شراء المناصب وبيعها، والتي كان يستفيد منها الرجال النافذون تحت إمرة الصديق المنبهي، الذي قال للسلطان ((إن القصر له عدة نفقات، وأنه ينتفع بهذه الأموال النازلة من السماء، فهل يفهم سيدنا، ما هو العيب في الإبقاء على أشياء كانت معروفة منذ أيام أجدادنا)) (نفس المصدر).
وربما لهذا أصبح المغاربة عندما يشتمون يقولون الله ينعل جدك.
ولما لم يتعرض السلطان لهذه النصيحة(…) بادره صديقه المنبهي ليسجل الإصابة ويضيف: ((سيدنا، إن لك وزيرا أولا لا يعرف شيئا في مجال الأعمال والأموال، ليجيبه السلطان: لابد أن نجد أحدا لأنني لا أعرف أكفأ منه، فيجيبه المنبهي: موجود، موجود نعاماس)) (نفس المصدر).
ويتدخل القدر وحده بدفع من الظروف، بعد أن اتخذ صديق السلطان المنبهي، صديقا له يسمى عمر التازي الذي فتحت في وجهه أبواب دار المخزن، وبينما السلطان لا يفارق المنبهي الذي أكد الكاتب أرنو أن الشعب أصبح يسميه “النجم”، أصبح التازي لا يفارق المنبهي، وأصبح المنبهي يكلف صديقه التازي بمهام خاصة، ليفاجأ المنبهي، بأن السلطان الذي كان يخرج يوميا: ((حيث كان المنبهي يتجول كل مساء مع السلطان، فأصبح يتجول مع صديق الصديق عمر التازي، الذي اكتشف تعلق السلطان الكبير بالنساء التركيات(…) فاستقدم التازي للسلطان ست حسناوات تركيات تعزفن على البيانو والكمان، فكلفه السلطان باستقدام المزيد)) (نفس المصدر).
لتكشف هذه الجزئية، الجانب الزهواني، عند السلاطين العلويين، وقد تفوق فيه السلطان مولاي إسماعيل الذي أعجب مرة بسيدة إنجليزية كانت تسمى “جانيت” فتزوجها سنة 1688 وسماها بلقيس، تيمنا ببلقيس ملكة سبأ، ولدت منه ولده محمد، الذي بعد أن ترشح للسلطنة بعد وفاة والده، تعرض علماء القرويين في أن يكون السلطان، ولد نصرانية، ليصل الاتفاق في الأخير، مع بعض العلماء المرتشين(…) ليطووا صفحة معارضتهم(…) بعد أن سموا السلطان ولد النصرانية، محمد ولد العربية.
ويبقى هذا النموذج الإسماعيلي الذي تكرر مرارا في حياته، تقليدا متجاوزا، أمام ضعف السلطان مولاي عبد العزيز، تجاه السيدات التركيات.
وتبقى عادة انشغال السلاطين، وخاصة أمام ظاهرة الفراغ الذي يعيشه المتربصون من أولاد وأحفاد السلطان، وهم ينتظرون اقتعاد سدة العرش، ليبقى وضع واحد من هؤلاء المنتظرين(…) ويسمى محمد بن عرفة، من أحفاد الحسن الأول، وهو الذي انتظر طويلا أن يصبح سلطانا من سنة 1908 إلى سنة 1953 إلى أن حقق له الاستعمار الفرنسي أمنيته، وسموه سلطانا بعد نفي الملك محمد الخامس.
بن عرفة هذا، وهو ينتظر دوره لدخول دار المخزن، لم ينتظر، لتحقيق نزواته الغرامية، عندما كان يعيش شابا أيام السلطان مولاي عبد العزيز، في الشمال، وكانت منطقة خاضعة للحماية الإسبانية، ورغم ذلك، سماه الفرنسيون خليفة على تطوان، بعد موت خليفتها الأصلي مولاي المهدي، وعندما أصبح السلطان مولاي يوسف، أب محمد الخامس، سلطانا، تغلب الصراع الغرامي(…) على الصراع السياسي(…) حيث أعجب بن عرفة بسيدة جميلة، اسمها هنية، كان السلطان مولاي حفيظ، قد تزوج بها، فبقي بن عرفة، رغم ذلك، ينتظر وربما يتغنى بحبه لها على جدران القصور الملكية، إلى أن نفي السلطان مولاي حفيظ، وترك الجميلة هنية بفاس، مع مخلفاته، التي لم يستطع حملها، ليدخل بن عرفة، في صراع جديد من أجل هذه السيدة، مع السلطان الجديد مولاي يوسف، الذي كان هو أيضا معجبا بجمال هنية، ونصحوه بالزواج بها.
وربما كان بن عرفة يعيش قصة غرامية سرية مع هذه السيدة، فتزوج بها ربما سريا أي بدون علم السلطان، في فاس، ليغضب السلطان مولاي يوسف، ويصدر أمره باعتقال بن عرفة.
تصوروا والد محمد الخامس، مولاي يوسف، يعتقل محمد بن عرفة الذي تزوج بسيدة كان مولاي يوسف يرغب في التزوج بها، والذي حصل، كان وكأنه مشهد من فيلم سينمائي، حينما اختطف محمد بن عرفة، زوجته هنية، بعدما أمر السلطان باعتقاله، وهرب بها إلى تطوان، لأنها كانت أخت قطب الشمال، مولاي المهدي، أخ مولاي الحسن بن المهدي الذي أصبح فيما بعد، خليفة في المنطقة الشمالية.
لولا أن القدر تحالف مع الهارب بن عرفة، ليحرم السلطان مولاي يوسف، من التزوج بمعشوقته هنية، التي ماتت خلال لجوئها مع زوجها بن عرفة في تطوان، ولم يكن للسلطان مولاي يوسف، نفوذ على المنطقة الشمالية، حتى ماتت هنية، زوجة بن عرفة، ودفنت في زاوية الحراق بتطوان.
قصة، كقطعة من الخيال، ولكنها كانت جزءا من الحقيقة، بعد أن استطاع الفرنسيون، تنصيب بن عرفة هذا مكان السلطان الشرعي محمد الخامس، كشهادة على إحدى عوامل انتقام بن عرفة، من السلطان مولاي يوسف، عبر ضغوطه على الاستعمار الفرنسي، لتنصيبه مكان الولد الأول لمولاي يوسف، سيدي محمد الخامس، لتدرج القصة في حساب غراميات القصور.