الملك يريد.... والشعب يريد....
محمد علي أنور الرﮔـيبي
anouar.rougaibi@gmail.com
الحراك العربي وزخم مظاهرات الشارع الذي تأججا غضبا وسخطا، وصيحات مطالب الحركات المعارضة لسياسة الحكومة، بدءا بحركة 20 فبراير والمعطلين، والوقفات الاحتجاجية للنقابات والأحزاب، والأطر من مهندسين وأطباء، وقضاة ومحامون، هذا الإنزال الجماهيري الذي عرفه الشارع المغربي بعد ثورة البوعزيزي في تونس، وساحة رابعة بمصر، وإسقاط الإمبراطورية بليبيا، وزعزعة الاستقرار بسوريا، جاء بعد تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في الدول العربية، نتيجة الأزمة الاقتصادية، والهيمنة الامبريالية العالمية، وتعزيز ترتيبات البيت الأبيض لمراكز نفوذه، وبسط سيطرته واستغلاله لدول العالم الثالث، وإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الجديدة لحماية امن إسرائيل، محاباة وتطبيقا للسياسة الصهيونية، ويجب أن لا ننسى الجزائر التي تعيش على صفيح ساخن، وفوهة بركان، وأن تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية بها، باتت قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، كما يجب أن لا نغفل عن العراق، ودول الخليج والسعودية، والأردن ولبنان واليمن. الاحتجاجات العربية كانت على نغمة واحدة، وشعار واحد و موحد، يعبر عن وحدة الهم، والمشاعر للشعوب العربية، شكل فيها المغرب صبغة الاستثناء المغربي، برسم خطة الطريق التي كان محورها الخطاب الملكي ل 9 مارس وإعلان دستور2011، الذي فتح الباب لمبادرة التغيير، والانفتاح السياسي، لإرساء الديمقراطية الحقة والحوار الاجتماعي.
لكن اختلفت الرآى والمشارب !
طموحات الملك، ومطالب الشعب كانت تتقاطع أو نقول تتناقض، مع رأى وأهداف جيوب مقاومي ومناهضي التغيير في هذا البلد. هي حلقة دائرية من دوي المصالح ترتبط بعضها ببعض، تركوا بصمتهم عبر التاريخ الذي أسس لهم صفحات سوداء للعبرة والتذكار، هم من عافهم الشعب وأمقتهم التاريخ في سجلاته.
حال المغرب من حال الدول العربية، وقد كانت لهذه الحلقة السوداء التي اتسعت رقعتها في خريطة العالم العربي، ردة فعل الشعوب العربية لمناهضة حماة الفساد ورموزه، تتجلى في الشعار الشعبي الذي طاف بجميع الساحات العربية:
‹‹ الشعب يريد إسقاط الاستبداد ›› ‹‹ الشعب يريد إسقاط رموز الفساد ›› ‹‹ الشعب يريد.........››
أحزابنا الوطنية فقدت مصداقية الوطنية، وأحزابنا المخزنية زادت في تطعيم مخز نيتها، وترسيخ جذورها في الإرث الاستعماري، من أعيان ووجهاء حفدة البشوات والقواد، زمن فرنسا وأذنابها الذين تفرع عنهم أباطرة الانتخابات، بارونات الريع و لولبيات العقار. هم شرذمة من لا وطنية لهم ولا حس إنساني، استولوا على مراكز القرار، استسيدوا وتمكنوا من الحكم والنفوذ، هي عائلات عنكبوتية ارتبط بعضها ببعض، بالقرابة والمصاهرة النفعية، والزبونية والمحسوبية، والعقلية القبلية والانتمائية الضيقة في تسيير الشأن العام، هم اخطبوتات استغلت ظروف تواجدها بقوة الاستنساخ والجاه والمال، استغنت الغناء الفحش المدقع، على حساب فاقة الشعب الذي أصبح لا ملاذ له إلا الاحتماء بملك البلاد، ولم يبقى له سوى صيحة الاستغاثة ((واملكاه....)).
الحكومة شقت عصاها، فلم تعد قادرة على تطبيق برامج تتماشى وحاجيات الشعب في جل الميادين، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، لأنها فقدت بوصلة خطة الطريق، التي زعمت أنها السفينة التي ستقودها إلى بر الأمان. اختلطت لديها الخطة المنهجية، وتبعثرت وأوراق اللعبة الممنهجة، حين وجدت نفسها عديمة الفعالية أمام الوفاء بالتزاماتها، وبرامجها الوهمية، ووعودها الوردية، التي روجت لها في دعايتها، وحملاتها الانتخابية أمام تطلعات الملك ومطالب الشعب.
فطرح لديها السؤال العريض ماذاعساها أن تفعل ؟
الملك يريد :
تجاوب ملك البلاد مع طموحات الشعب أربكت المفسدين، وزعزعت كيانات الإخطبوطات والبطانة الخادعة والمخادعة، والعائلات العنكبوتية التي توالت على سلطة القرار السياسي والإيديولوجي، ولا نقول الاقتصادي بل ألريعي، والاستغناء الفاحش، والذين أصبحوا يستخلفون في البلاد أبا عن جد وسلفا عن خلف.
كل خطابات الملك، عبرت عن مشاركته الشعب طموحاته وتطلعاته، واعتبرت بحق ثورة ملك وشعب، على الفساد والركود، الاقتصادي والسياسي، وتحولا في تاريخ المغرب الحديث، لكونها تلي أهمية بالغة للطموحات، والتحديات الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية، المفروضة في الظرفية الحالية للرقي بالمغرب في مصف الدول النامية.
إن اهتمامات الملك بهموم الشعب، جاءت ردا على الشرخ الحاصل بين الطبقات وسط المجتمع المغربي، واستخلصت في مضامين خطابه.
بتوصيات سامية:
● ‹‹ إننا لا نريد مغربا بسرعتين، أغنياء يستفيدون من ثمار النمو ويزدادون غنى، وفقراء خارج مسار التنمية ويزدادون فقرا ››
● ‹‹ إذا كان المغرب قد عرف تطورا ملموسا، فان الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين. ذلك إنني ألاحظ خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة ››
● ‹‹ أتسائل مع المغاربة: أين هذه الثروة ؟ وهل استفاد منها المغاربة ؟ أم أنها همت بعض الفئات ؟
توصية الملك للفاعلين في الحقل السياسي:
● ‹‹ إنكم مسؤولون بالدرجة الأولى على الحفاظ على هذا الاعتزاز، بل تقوته من خلال تعزيز ثقة المواطن، وفي المؤسسات الإدارية والمنتخبة، ومن خلال الرفع من مصداقيتها ونجاعتها، ليشعر المواطن أنها فعلا في خدمته ››
سؤال وجيه:
● ‹‹ ماذا أعددتم من نخب وبرامج للنهوض بتدبير الشأن العام ؟ ››
ومن خلال رؤيته المتبصرة والمدركة لمتطلبات المسار السياسي بالمغرب :
أكد جلالته على حسن ممارسة السلطة والحاكمة، والتنافس السياسي بين البرامج والنخب، والكف عن المزايدات والصراعات السياسية، والإعداد الجيد لكل الاستحقاقات، والتحلي بروح الوطنية الصادقة واحترام إدارة الناخبين، وترسيخ الخيار الديمقراطي، والتصالح مع الذات والتاريخ والمجتمع. كما أكد على بدل الكثير من الجهد والعمل المتواصل، لتوفير ظروف العيش الكريم لجميع المواطنين، وتمكينهم من حقوق المواطنة. وتحسين مناخ الأعمال، والمضي قداما في إصلاح القضاء، والإدارة وتخليق الحياة العامة. كما أكد جلالته على أن تكون السنوات القادمة حاسمة لتحصين المكاسب، وتقويم الإختلالات وتحفيز النمو والاستثمار.
توصية الملك للبرلمانيين :
● ‹‹ يجب أن تعبروا على الاعتزاز بالوطن، وان تجسدوه كل يوم، وفي كل لحظة، في عملكم، وتعاملكم، وفي خطاباتكم، وفي بيتكم، وفي القيام بمسؤولياتكم ››
توصية الملك في مجال التعليم :
● إيجاد حل لإشكالية لغة التدريس.
● تجاوز الخلافات الايديولجية التي تعيق الإصلاح.
● اعتماد برامج ومناهج ملائمة لمتطلبات التنمية وسوق الشغل.
● العناية بالتكوين المهني.
الشعب يريد :
طموحات الشعب، وصيحة ‹‹ الشعب يريد ›› تبخرت وسط العديد من الأسئلة الحائرة، والمحيرة والتائهة:
بين كيف ؟ ولما ؟ ولماذا ؟
عديدة هي الأسئلة التي بقيت بدون جواب شاف ولا رد مقنع، تأملات الباحتين ووقوفهم عند الكثير من المعطيات التي أدت إلى الانحدار، والخلل في المرافق والبنيات الحيوية للبلاد، الاقتصادية منها والاجتماعية، التي كان من المفروض أن تكون صمام الأمان للازمات التي تعيق التطور، والإصلاح والتغيير الذي يطمح له الشعب، ويناضل من أجله، متحملا كل الشوائب ومتحديا لكل الإكراهات لكسب رهان الاستمرارية، في زمن انعدام التوازن الاقتصادي والاجتماعي، وافتقاد المصداقية السياسية، وهيمنة لغة الخشب على الحوار الجاد، والخطاب الصادق. بحيث شكلت سيطرة لوبيات الضغط المتحكمين في مراكز النفوذ المالي والسلطوي، مجموعة نافدة ومهيمنة، من صانعي القرارات المؤثرة في تقلبات وتطورات الأوضاع السياسية، والاقتصادية بالبلاد.
الأغلبية الصامتة من أفراد الشعب همشت. وبقيت معزولة بعد تفشي الفساد، وانعدام النزاهة والشفافية، في ظل سباق الانتهازيين، والوصوليين بارونات الانتخابات واقتصاد الريع، لمراكمة الثروات المشبوهة، والاغتناء على حساب بؤس الطبقة المسحوقة.
مر المغرب من تجربة سن سياسة الحساب والعقاب، وشهدت الساحة السياسية محاكمة وزراء، وكبار المسؤولين تم عرضهم على مجالس تأديبية، وإعفائهم من مهامهم. من أجل درء التصدع والاختلال الذي شهدته مؤسسات القطاع الحكومي، والقطاع الخاص، وإعطاء العبرة لمن يعتبر.
لكن كل محاولة الردع باءت بالفشل. وباتت دون جدوى، لان هيمنة الشركات الوهميةـ والصورية وشركات العلاقات العنكبوتية، للعائلات ودووي القرابة والمصالح الخاصة، استفادت من انعدام الديمقراطية، والعبث السياسي وهيمنة اقتصاد الريع في غياب المسائلة والعقاب.
ونعود لطرح السؤال المحوري :
كيف ؟ ولما ؟ ولماذا ؟
كيف ؟ كيف يمكن لنا أن نقف على مواطن الخلل، ونوقف نزيف الفساد، ونحد من معانات الطبقات الفقيرة، بدون تحريك المساطر القانونية وتطبيق العدالة بلا انتقائية ولا محاباة. ؟؟
ولما ؟ لما لغة الخشب؟ المتداولة في التقارير والتحاليل، والخارجات لزعماء سياسيين، وأقلام مأجورة في ندوات صحافية، ومؤتمرات و منتديات، تارة لتلميع صورة التخطيطات والدراسات ( المستوردة ) للمناهج المتبعة، وتارة للنقد والتحليل للحالة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ويرمون باللائمة على السياسة المتبعة من طرف الحكومة. وينتقدونها في هامش ضيق تحكمه ويتغاضون الطرف ويمسكون عن الكلام، عمّا يدور ويجول داخل المؤسسات التي توجد خارج المراقبة والمحاسبة.
كل الحكومات المتولية عجزت عن استئصال جذور الفساد، والحد من الفضائح والتجاوزات، التي أصبحت تسمى باللغة الدارجة ب ‹‹ الشوهة ›› في فترة الحكومة الحالية. فمن البريمات، إلى الشكلاط، ورشاوى القضاة، والجلسات البرلمانية السوقية، وسلوكيات البلطجيين من ممثلي الأمة داخل قبة البرلمان. و كانت شوهة الملعب المسبح وأكبر كراطة التي نظفت بقايا التعفنات، والروائح النتنة التي عرفتها البلاد سنة 2014 .
ونأتي عند لماذا ؟ لماذا تم تجميد آليات دستور 2011 وعدم تفعيلها ؟ هذه الحالة السياسية التي تعيشها الحكومة تعيد المغرب إلى مرحلة حكومات الدستور و ألا دستور!!!
الشعب يريد القطع مع الماضي، والتوجه نحو المستقبل لضمان الأمن والاستقرار، فاستعادة ثقة الشعب هي التحدي أمام كل اختيار صعب.
والملاحظة التي يجب التأكيد عليها، هي أن المنتخب لابد أن يعلم أن منتخبيه لم يعطوه تفويضا مفتوحا لتدبير شؤونهم، ولم يسلموه السلطة بدون شروط. وإنما أمهلوه ليوم الحساب، وأن أعينهم مفتوحة عليه، تم أن مؤسسات المجتمع جاهزة لمسائلته فضلا عن معارضيه الذين يترقبون عثراته.
فطموحات الشعب تتجلى في :
- الـشعب يريد مغربا يـتسع لــجميع طموحات الـمغاربة نـساءا ورجـالا، وإعــطاء الــفرصة للـشباب وتسليمهم المشعل لتحمل المسؤولية السياسية وتسيير دواليب السلطة والإدارة.
لقد هرمت الزعامات السياسية ومشايخها وشاخت، وتآكلت مؤسسات الأحزاب، وطغت ورثة كراسي السلطة، فما عاد لأحد الحق بان يقر باسم الشعب، حسب قناعته الـشخصية، أو الـدينية، أو الـفكرية، أو السياسية.
لقد طال انتظار المغرب في مفترق الطرق، وسيناريوهات سياسات الدولة و حكومات العقود السابقة المنعزلة عن الشعب المخالفة لطموحاته وانتظارا ته لم تتغير. فان زاد الانتظار ضاع الـشعب وضـاع الوطن.
وما الوصية الحكمة، التي جاءت في احد خطب الملك محمد السادس التي تقول:
‹‹ فان جعلتم على رؤوسكم فاسدين في مدنكم وقراكم ، فلا تقبل منكم الشاكيات، فأنتم المسئولون على تدهور حقوقكم وحق بلادكم. ››
12 / يناير/ 2015