"رواها الشيخان"

فلم : عبدلاوي لخلافة 

أفتى كل من الشيخين: السيد أحمد التوفيق، وزير الشؤون الإسلامية، والسيد عبد اللطيف وهبي، وزير الشؤون القانونية، بأن علماء المغرب الرسميين أباحوا الاجتهاد في 17 مسألة وتحفظوا على ثلاثة في شأن تعديل مدونة الأسرة بما يوحي للمتلقي من خرجات الشيخين الإعلامية أن الإشكالات المرتبطة بالأسرة، بعد الرسالة الملكية، قد حلت، وقضي الأمر الذي فيه يستفتي المغاربة.

الخرجات الإعلامية للشيخين في شأن المتفق والمختلف بشأنه في قضايا الأسرة، مدت جمهور الفكاهيين وباقي أفراد المجتمع المتعاملين مع وسائل التواصل الاجتماعي بمادة دسمة لإنجاز “كبسولات” فكاهية وأخرى جدية لمأل الزواج والتزويج بالمغرب، وأخرج النقاش عن جادة سكته الصحيحة.

ووعيا منا بأن الزواج والطلاق، جدهما هزل وهزلهما جد، وتؤطرهما المقولة الملكية بعدم “تحليل الحرام وتحريم الحلال”، تأتي هاته المقالة مساهمة في النقاش قبل أن تسطر البنود المعلن عنها والمخفي منها في الوثائق الرسمية بما يحفظ نسيج المجتمع المغربي من كل الترهات وينجيه من تبعات الإملاءات.

توضيحات وإشارات ممهدة

قبل البدء بتقديم النقاط الإيجابية والمقترحات الكفيلة بتجاوز السلبيات، الواردة في خرجات الشيخين المفتين شرعيا وقانونيا بخصوص التعديلات، ينبغي الإشارة إلى التوضيحات الآتية:

ـ إلى حدود كتابة المقال، لم يتم الإفصاح عن الدواعي الحقيقية للنظر في مدونة 2004، هل هي تأتي بمثابة نتاج حوار مجتمعي بعد عشرين سنة من تطبيق المدونة المجمع حولها، يرصد الإيجابيات والنقائص، أم هي مجرد إملاءات خارجية، غير معلن عنها، تأتي استجابة لتمويلات خارجية أو استباقا لتحديات مستقبلية غير معلنة.

ـ خروج السيد أحمد التوفيق، نيابة عن السادة العلماء، فيه نوع من التنقيص لمشاركتهم في بلورة بنود المدونة المقبلة، بما يناقض سابق استبشار غالبية المغاربة في شأن الاحتكام إلى اجتهاداتهم ليتحملوا مسؤوليتهم العلمية في صيانة نسيج المجتمع المغربي.

فخرجة الشيخ التوفيق تقدم رسالة مفادها: أن علماءنا “صم بكم” لا يفقهون التعامل الإعلامي مع قضايا المجتمع الحساسة، بل أيضا رسالة ضمنية إليهم أنهم لا يفهمون متطلبات “السياسة الكبرى”، والأسلم لهم “الصمت عن الكلام المباح” ضمن اجتهاد المصلحة.

ـ انتهاز الشيخ التوفيق مناسبة الخرجة الإعلامية المرتبطة بانتهاء لجنة مراجعة المدونة للتذكير بأهمية الاحتكام للمرجعية والبيعة والإمارة، يستبطن نوعا من الاستدراك “المحمود” لسابق تبريراته “لعلمانية” الدولة المغربية، وسابق رده عن زميله الشيخ بنكيران، والتي هي “زلة مؤرخ”، طالما ناضل هو نفسه من أجل ترسيخها منذ أن عين على رأس الوزارة سنة 2003، مما يستدعي التوجه الاستشرافي إلى أن الوقت قد حان لاستبدال العجلات الدينية بالمغرب.

ـ بالنسبة لخرجات الشيخ وهبي الإعلامية، فقد مثلت مرافعات قانونية لمطالب الجمعيات النسائية بأن “مطالبكن” في الولاية والنفقة ومقاومة شطط “أشباه الرجال” قد تم تضمينها في المسودة الجديدة، والواجب عليهن بعد الخرجات التجند لمزيد من الضغط الإعلامي والسياسي لفرض باقي النقاط المتحفظ عنها، دون أن يكلف نفسه عناء تقديم الحلول القانونية لتلكم الإشكالات.

ـ أظهر الشيخ وهبي خلال خرجاته الإعلامية أنه الوزير الجهبذ، الذي يناضل وحيدا من أجل حقوق المرأة وتحقيق “الفتح النسائي” لإشكالات الحياة الزوجية بما يمنح الخارجين عن الأخلاق الزوجية “فرجات” لتسللات قانونية، في إيحاء إلى أن الاستدراكات العقلية، التي ستدمج مستقبلا في المدونة الجديدة، كفيلة بتحقيق الحرية والاستقلالية والندية للمرأة، دون الوعي بأنه وغيره مجرد “ممثلين مؤقتين” للملك والحكومة والشعب، وسيأتي يوم ويغادرون مناصبهم، ولكنهم سيتركون خلفهم أسرا مشتتة وعزوفا زواجيا، لا يدرك تبعاته إلا الله والراسخون في القانون والشرع.

بنود مضيئة في جديد المدونة

ونظرا لأن “في كل لبن لابد من استخراج زبدة” ولو كان قليلا، فقد قدمت الخرجات الأخيرة للشيخين، إشارات مضيئة للتعامل مع هاته القضية الاجتماعية الحساسة ومثيلتها:

ـ أولها ترسيخ “عرف” إشراك علماء المغرب وأهل القانون في الرأي وإمكانية أخذ اجتهاداتهم بعين الاعتبار في كل ما يستجد من وقائع وأحوال أسرية ومجتمعية ولما اقتصادية وسياسية مستقبلية.

ـ الاعتراف بجهد الزوجة في العمل المنزلي، وإن كان سداد تكلفته سيكون على عاتق الزوج أو الرجل، بدل إسناده للدولة وصناديقها الاجتماعية.

ـ الابتعاد عن أساليب التجييش في التعامل مع التعديلات المعلن عنها، والاستفادة من سابق الدروس، التي صاحبت الجدال في مدونة 2004، وهو الأمر، الذي يفرض على المكلفين “مؤقتا” بالمراجعة الحرص عليه، حتى يبقى المغرب والمغاربة محافظين على استنثنائهم السياسي والثقافي في التعامل مع الخلاف والاختلاف.

ـ نشدان رفع الحرج في تنزيل بعض الإجراءات القانونية في الولاية والحضانة للأبناء بما يضمن مصالحهم الفضلى لتحقيق طموحاتهم بعيدا عن سياسة “شد الحبل” بين طرفي الأسرة المتشاكسين.

ـ إشراك المجتمع المدني في وساطة الصلح قبل الالتجاء إلى القضاء يعد “محمدة” اجتماعية تتماشى مع ثقافة المجتمع ووعي طرفي الأسرة بمخاطر التفكك الأسري، التي غالبا ما يكون من أجل تحقيق أنانيات ونزوات مؤقتة.

ـ تقليص مدة التسريح القضائي بين طرفي الأسرة بعد استحالة العشرة الأسرية سيخفف العبء عن المحاكم، ويتيح لكل طرف تحمل تبعات قراره الأسري إيجابا وسلبا.
وإلى حين أن يتم الإفصاح عن باقي التعديلات، التي ساهم بها باقي الشركاء الاجتماعيين والسياسيين والشرعيين، تبقى المقترحات الأتية عنصرا مساعدا في ضمان تلكم الإضاءات وتثمينها.

مقترحات وتوصيات

إن استحضار “كلفة” المسؤولية الأسرية وتبعات الإخلال بهذا الميثاق الغليظ أو المساهمة بوعي أو دون وعي في تفكيكه، يجعل كل ذي ضمير حي يسعى بكل ما أوتي من سلطة علمية أو قانونية لتجويد الإصلاح الجديد للمدونة وتسهيل إجراءات البناء وتعسير كل قرارات الهدم.

إن أي عاقل ومتابع للبناء الأسري والاختلالات، التي تعتريه، يتبين له أن الابتعاد عن أخلاق: التضحية والإخلاص بين الزوجين وتعقد الإجراءات القانونية والإكراهات المادية، هي بمثابة “الثالوث” المحرم لأية أسرة تنشد السكينة والرحمة والكرامة الاجتماعية.

وعليه:

ـ فتجويد عمل قسم الأسرة بالمحاكم المغربية وتطعيمه بوساطات جمعيات المجتمع المدني وعمل خلايا المجالس العلمية المحلية، سيخفف لا محالة من كلفة العبء القانوني.

ـ كما أن إحداث صندوق” الطلاق الأسري” ذي منفعة عامة يكون تابعا لتدبير وزارة الأسرة والتضامن والحماية الاجتماعية أو صندوق الضمان الاجتماعي كفيل بتخفيف النفقة والعبء الاقتصادي عن الأسر الهشة ويضمن كرامة الأبناء وكذا الطرفين عند تعسر العشرة الأسرية.

ـ إن الاعتراف بعمل المرأة المنزلي، يلزم الحكومة الحالية والمستقبلية تخصيص أجرة شهرية لربات البيوت، على أن يكون مصدر أجرأة العملية من لدن وزارة المالية أو الأوقاف، وسيثمن دور الأم في رعاية النشء وذلك بتخصيص منحة يمكن تسميتها “بمنحة الأمومة”، وقد يتوسع هذا الإجراء الاقتصادي بتعديل معاش التقاعد ليكون كاملا للأرملة بدل الاستفادة الجزئية منه.

ـ إن تأهيل الشباب والشابات نفسيا واجتماعيا واقتصاديا قبل الإقدام على الزواج أو الطلاق وإمكانية إخضاعهما لتكوين أسري أولي قبل الإقدام على أية خطوة تؤثر على حرمة البناء الأسري، سيضمن سلامة البناء بنسب مقدرة.

ـ إن التفكير في إحداث مدونتين: الأولى تكون مرجعتيها شرعية ضمن مقولة “عدم تحليل الحرام وتحريم الحلال”، وثانية إدارية “علمانية” على شاكلة “عقد الإله ياكوش”، سيمنح كل فرد مغربي حرية الاختيار بين ما يصلح له في مستقبل حياته، وبالتالي تحمل تبعات اختياراته، بدل حشر الجميع في سلة واحدة، حيث تخلط الأوراق والمهام بين مختلف المتدخلين في عملية الإصلاح والبناء الأسري، كما سيتاح لكل طرف الاجتهاد في حقله المعرفي والثقافي.

ومن خلال تجربة ذاتية لمدة تزيد عن 23 سنة، وبعد وفاة الزوجة رحمها الله، يبقى التأكيد على أن الإخلاص والتضحية المتبادلة بين الطرفين هي صمام الأمان لسلامة سفينة الأسرة لمواجهة عباب مشاكل الحياة وعقباتها، حيث تم الاستغناء عن الرجوع إلى نص مدونة الأسرة منذ 2002، ويتمنى المرء لو بقي الطرف الثاني حيا لتحمل باقي المسؤولية الحياتية وأخذ الثروة كلها.

إن الحفاظ على متانة البناء الأسري يعد أساس كل نهضة اجتماعية واقتصادية للبلد، وما دون هذا المنحى لا تغني الإجراءات الخارجة عن فطرة الله في خلقه إلا “مولدات” لإشكالات جديدة تقض البناء ضمن مقولة: “تحدث للناس أقضية على نحو ما استحدثوا من فجور”، والله الموفق للصواب.