قال تعالى: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [العنكبوت: 46]. فجدال أهل الكتاب بالتي هي أحسن فريضة قرآنية، لكن عدا ما فيه ظلم منهم لغيرهم وفق منطوق نفس النص القرآني. وهل من ظلم اليوم أكبر وأعظم وأفظع من ذلك الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني منذ عشرات السنين، ولا سيما اليوم أكثر من أي وقت مضى؟ ظلم تفطرت له قلوب كل شعوب العالم، ومن بينها حتى شعوب الدول الغربية المتحيزة حكوماتها للجلاد على حساب الضحية، بما فيها طوائف يهودية معادية للصهيونية مثل “الصوت اليهودي من أجل السلام (JVP)” و”IfNotNow” و”الشبكة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية” وغيرها.
وعندي يقين أن كل الناس في العالم تعجبوا ويتعجبون هذه الأيام من خطابات الصهاينة لما يجدونهم يرون الأمور الأخلاقية والإنسانية رأسًا على عقب، ومن دون أن يرف لهم جفن، بل مع العزة بالإثم. يرون الخير شرًا، والشر خيرًا، ويرون الحق باطلًا، والباطل حقًا، والمنكر معروفًا، والمعروف منكرًا. لكن ما داموا كباقي البشر يولدون صفحة بيضاء، فلا بد من وجود منظومة قيم خاصة بهم يتشربونها منذ الصغر ويتشبعون بها، فتفعل فيهم فعل المخدرات في المدمنين على استهلاكها وتجعلهم من الناحية الأخلاقية والإنسانية مختلفين عن بقية البشر.
الأمر الذي لولاه لما كنت لأتحمل عناء البحث في كتبهم المقدسة كي أطلع على ما فيها من دوافع جعلت ولا تزال تجعل من جنودهم بالكيان العبري، ومن شرطته ومن المستوطنين بالضفة، قتلة للنساء والأطفال وعموم المدنيين عمدًا وبوحشية منقطعة النظير، حتى المرضى منهم في المستشفيات والنازحين في الملاجئ، بل حتى الموتى قبورهم التي ينبشونها لقتلهم وهم عظام نخرة.
فوجدت بالبحث في كتبهم عجبًا طار معه كلية العجب الأول. ولو كنت أعرفه مسبقًا، لتعجبت من رؤيتهم يتصوفون في الحرب كبشر أسوياء. وهذه عيّنة بسيطة من النصوص الآثمة والمقدسة التي اكتشفتها باندهاش كبير في كل من العهد القديم المشترك بينهم وبين المسيحيين، ومن التلمود كتفسير له يخصهم. نصوص من كتب عتيقة يقع اللوم على من كتبوها قديمًا في ظروف معينة، وعلى من لا يزالون يصدقونها رغم ما فيها من وحشية ولاإنسانية ويدرسونها لأبنائهم، وهم أبرياء منذ الصغر.
ومنها هذا النص الذي يقول: “لم يُخلق العالم إلا من أجل سعادة بني إسرائيل. بنو إسرائيل هم وحدهم أبناء الله، وهم وحدهم أحباء الله” (التلمود: مسالك جريم 1). ومنها أيضًا النص الذي يقول: “لما هاجمت الحية حواء زوجة آدم، في اللحظة التي أخطأت فيها بالأكل من شجرة المعرفة، أصابتها بتلوث أخلاقي. وهذا التلوث موجود في كل البشر. بالنسبة للشعب اليهودي الذي وقف على جبل سيناء واستلم التوراة، فقد انتهى تلوثه الأخلاقي. أما غيرهم الذين لم يقفوا على جبل سيناء ولم يتلقوا التوراة فإن تلوثهم مستمر” (التلمود: أڤودا زاراه 22ب). زد على ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر، النص الذي يقول: “قال الرب: “وأنتم يا غنمي، وغنم رعيتي، بشر. وهو الذي يعلم أنكم تُسمون بشرًا. لكن باقي الأمم لا يُدعون بشرًا” (التلمود: باڤا ميستيا 114ب). ومثلها في هذا الكتاب المقدس عندهم أفظع، ويكاد لا يُحصى.
أما بخصوص العدوانية الوحشية ضد غير اليهود التي اندهش منها كل العالم بفلسطين منذ سنة كاملة، وجدت مثلًا في العهد القديم هذا النص الذي يقول: “حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح. فإن أجابتك وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويُستعبد لك. وإن لم تسالمك وعملت معك حربًا، فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. أما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغتنمها لنفسك. وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا، فلا تستبق منها نسمة ما” (سفر التثنية 20: 10-16). وذلك في سبيل خرافة أرض الميعاد.
تلك الخرافة التي توسع الأحبار كَتبة العهد القديم في رسم حدودها بعيدًا من وراء فلسطين حتى نهر النيل بمصر والفرات بالعراق. وذلك في النص الذي يقول: “في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ]إبراهيم[ ميثاقًا قائلًا: «لنسلك أُعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات” (التكوين 15: 18). فتلك هي حدود إسرائيل الكبرى المقدسة، والمرسومة بخطين أزرقين على علم الكيان العبري منذ قيامه سنة 1948. ولولا مثل هذا النص الخرافي لما قام ذلك الكيان، ولما سمعنا بالنكبة، ولا بالقضية الفلسطينية، ولا بكل ما ترتب عنها في المنطقة من فتن وحروب ومآسٍ، حتى فيما بين شعوبها.
ومن أجل إقامة ذلك الكيان وحمايته، وجدت أحد النصوص العدوانية، وما أكثرها في العهد القديم، واستشهد به رئيس حكومة الحرب على غزة، والذي يقول: “فالآن اذهب واضرب عماليق، وحرّموا كل ما له ولا تعفُ عنهم، بل اقتل رجلًا وامرأة، وطفلًا ورضيعًا، وبقرًا وغنمًا، وجملًا وحمارًا” (سفر صموئيل الأول 15: 3). فطار عندها عجبي من التدمير شبه الكامل لغزة، ومن الإبادة الجماعية لأهلها بدم بارد وبضمير مرتاح. فلا عجب، ما دام الأمر عندهم مقدسًا بحجة أنه من وحي رب شعب بعينه في نفس الكتب المقدسة، وليس رب العالمين الرحمن الرحيم. وهذا غيض من فيض. وما تبقى من مثله في كتبهم المقدسة أشد وأعظم.