هل قصدت الجزائر الإساءة للسعودية من خلال فيلم "The Goat Life"؟
قلم : اسامة دالي
لا يمكن لنظام مثل النظام الجزائري الذي أظهر معاداته في كثير من الأحيان للفن والاعلام الأجنبي، أن يشارك في فيلم أجنبي ويقدم له المساعدة إلا إذا كانت لدى النظام الجزائري خلفيات أخرى، خاصة إذا كان الفيلم يسيء للسعودية ولدول الخليج بشكل غير مسبوق، وهذا ما حصل، حيث فتحت الجزائر فتح صحاريها على مصراعيها أمام تصوير فيلم “The Goat Life” الناجح، والذي أثار الجدل في دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، حيث تم تشويه صورتها بشكل كبير في هذا الإنتاج الهندي، فهل كانت هذه محاولة من نظام الجزائر للانتقام من السعودية، التي تتجاهل الجزائر او تزدريها في العديد من المناسبات؟.
منذ صدور الفيلم على “نيتفليكس”، أثار جدلا غير مسبوق، فالسلطات السعودية استنكرت بشدة قصة الفيلم، ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي في المملكة كذلك أدانوا تحيزه والادعاءات الكاذبة الواردة فيه، مما جعله يتصدر عناوين الكثير من وسائل الإعلام في المنطقة والعالم.
لكن أقل المعلومات المعروفة عن هذا الفيلم هي المتعلقة بأماكن تصويره حيث صور جزء منه في الجزائر، وهي الجزائر المعروف عنها عدم الترحيب بتصوير الأفلام الأجنبية،حيث أنه باستثناء بعض الأفلام الطويلة الفرنسية في بداية سنوات الـ2000، فإن استوديوهات الإنتاج لا تتسابق كثيرًا للوقوف بكاميراتها لدى الجار الشرقي.
وللعثور على آخر إنتاج أجنبي كبير تم تصويره جزئيًا في الأراضي الجزائرية، يجب الرجوع إلى عام 1990، عندما تم تصوير “Un Thé au Sahara” لبرناردو بيرتولوتشي، والمستوحى من الرواية المغربية بول بولز. وبالكاد يمكن العثور على سجلات سابقة لإنتاجات أخرى، مثل “باتون” لفرانكلين ج. شافنر عام 1970، أو “طرزان رجل القرود” لـ W. S. فان دايك في عام 1932، في ظل الجزائر الفرنسية.
وهذا يعني أن السينما والجزائر الجديدة في ظل ثنائي تبون-شنقريحة هما في حقيقة الأمر بعيدان كل البعد عن بعضهما. فالجزائر هي دولة مغلقة ومحصنة، متحفظة على استقبال أي تصوير أجنبي، فما الذي دفع نظام الجزائر إلى بسط السجاد الأحمر أمام فيلم هندي يسيء بشكل علني لصورة بلد (كبير) شقيق، وهو أكبر دول العالم العربي والإسلامي؟
نتحدث هنا عن الجزائر التي لا تتحمل ولو فريق إعلامي بريئ مثل بعض الاعلاميين الرياضيين المغاربة، وقصرت الإقامة الشخصية للاعلامي الفرنسي أنطوان دي ماكسيمي، الذي يقدم برنامج “سأذهب للنوم عندك”، والذي تتسم عروضه بالحياد التام، بمضايقات متواصلة ومضايقات من كل نوع.
هذه نفس الجزائر التي أقر برلمانها في 2 أبريل الماضي قانوناً يهدد بالسجن أي منتج تكون أعماله “مسيئة للدين أو تاريخ الحرب من أجل الاستقلال أو الأخلاق”. وهو ما أثار استنكار المخرجة الجزائرية صوفيا جمعة، التي علقت على فيسبوك: “أمس الصحافة، واليوم السينما، وغداً الأدب والرسم وكل أشكال الإبداع التي لا تناسبهم سيتم إخضاعها للرقابة”.
الجزائر التي لا يتم فيها سوى انتاج حوالي 15 فيلماً طويلاً في السنة، بين الأفلام المحلية والإنتاجات المشتركة والمسلسلات التلفزيونية المتواضعة، والجميع تحت مراقبة شديدة، وبدون أي مشاركة لصناعة محلية شبه منعدمة، حيث يتم التعاقد في معظم الأحيان مع فرنسا.
فما الذي دفع هذا البلد الفقير سينمائياً والمغلق على التصوير الأجنبي إلى الانفتاح فجأة على فيلم من بوليوود؟ ما لم تر السلطات في “The Goat Life” مصلحة خاصة، كما تقول مصادر مطلعة على تصوير الأفلام الأجنبية في المغرب.
وإلا “فمن المستحيل أن يكونوا تركوا الأمر ينفذ من باب الحب للسينما”، كما تجادل قبل أن تفصّل آلية الموافقة على التصوير الأجنبي: “التصوير الأجنبي يعني ملخص القصة وسيناريو يتم قراءته لفترة طويلة مسبقًا قبل صدور أول التراخيص. وهناك معدات ضخمة تفحص بعناية من قبل جمارك الدولة، كما أن عشرات، بل مئات، من الإداريين والفنيين والعمال الذين سيعملون لأسابيع وأشهر تحت مراقبة مشددة هم أيضًا أولوية قصوى”. إذن لا شيء، سواء في المحتوى أو تنفيذ الإنتاج، لم ينج من آلية الجنرالات. وإذا تم تصوير الفيلم في الصحراء الجزائرية في تيميمون، فهذا بلا شك بدراية تامة للنظتم الجزائري.
فما هو إذن الدافع وراء هذه الموافقة، وقد تم استبعاد أي اعتبار بشأن حرية الإبداع، وأكثر من ذلك استبعاد أي منفعة اقتصادية، نظرًا لغياب أي كفاءة فنية في البلاد؟ هناك إرادة واضحة للإضرار بالمملكة العربية السعودية. وليس هناك ما هو أكثر منطقية من ذلك، فالسعودية هي الهدف الأمثل لأن تتلقى ضربات خسيسة من النظام الجزائري وممثليه.
ومع التذكير أن عدم مشاركة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قمة جامعة الدول العربية المنعقدة في الجزائر في 1 نوفمبر 2022 كان ضربة قوية للدبلوماسية الجزائرية، وقد كان على حق في عدم الحضور، حيث كانت القمة حدثًا لا طائل منه، واقتصرت رئاسة الجزائر للجامعة العربية على تنظيم القمة واستقبال اجتماع تحضيري لمدة يومين، دون أي نتيجة ملموسة، بل إن اجتماعًا بالغ الأهمية في 14 أبريل من نفس العام، مهد الطريق لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد 12 عامًا من التعليق، قد عقد في السعودية، بدون الجزائر، التي كانت تدعي أن هذه “العودة” هي من اختصاصها الدبلوماسي.
علامة أخرى على الخلافات بين الجزائر والرياض هي الانتظار المهين لمدة أسبوعين تقريباً الذي فرض في فبراير 2024 على رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، الذي كان يأمل أن يستقبله محمد بن سلمان. ولكن في النهاية استقبله خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي البالغ من العمر 36 عامًا، أي اصغر منه ب42 عامًا.
وأيضًا الصفعة الأخرى الموجعة التي تلقتها الجزائر: موقف السعودية المؤيد علنياً للمغرب في نزاع الصحراء الغربية. فنتذكر أنه بتعليمات صريحة من محمد بن سلمان، حظرت السعودية استخدام مصطلح “الصحراء الغربية” للإشارة إلى الصحراء المغربية، وحظرت استخدام أي خريطة لا تضم المملكة المغربية لمناطقها الجنوبية.