دردشة مع صديقي المشاكس
ايران والسعودية والحوار الحذر في الشرق الاوسط
بقلم د : عبد اللطيف برادة
جلست اتصفح الصحف المحلية وبقربي صديقي يراقبني من دون ان ينطق بحرف وكأنه ينتظر مني المبادرة وهكذا كان اد فاجأته من دون سابقة انذار بالسؤال
- اخي اراك صامتا فما في جعبتك من جديد صمتك يدل عن شيء ما تود ان تخفيه عني ربما
-والله ليس لدي من جديد إلا بعض ما اضطلعت عليه عن حرب اوكرانيا
-فمادا لو قلت لك ان الجديد يوجد في الشرق الاوسط
-خبرني
- نعم لقد اصبح هناك شبه توافق بين ايران والسعودية من اجل الصلح
-من يصدق
-انها "لعبة الأُمم فبعدَ أثنين وأربعين عاماً من الحرب الباردة وخمسة أعوام من قطع العلاقات يبدو أنّ عمليّة تقارُبٍ تحدُث بين (السعوديّة) و(إيران) وهما الجارتين اللتان تقفان على طرف النقيض في مُعظم الملفّات الاقليميّة خبرني فكيف تم دالك
- هناك نِقاطٌ عديدة يجب مناقشتها من اجل توضيح كيف صار هدا التقارب
- فما هي
- لا حصر لها فمن الضروري أن نبدأ اولا النقاش من نُقطة يُمكن الانطلاق منها للحديث عن محوريّة الخلاف القديم الجديد بين (السعوديّة) و(إيران)
-يبدو ان الموضوع معقد
- حقيقة لان الخلاف متشعب والسؤال يطرح نفسه فهل الخلاف يتقدّم في الجانب الإيديولوجي ألطائفي زعامة السنّة في العالم الإسلامي (السعوديّة) والشيعة (إيران) أم أنّ المسألة لها علاقة بالسياسات الأميركيّة وارتباط الخليج بها؟
- يبدو ان الخلاف عميق ومُركّب
- ولهدا لا نستطيع أن نقول إنّ له سبب واحد. فمنذ نجاح الثورة الإسلاميّة في (إيران) هناك رؤية ايديولوجية مُختلفة تماماً عمّا ينبغي أن تكون عليه المنطقة في التعامل مثلا على سبيل المثال مع المشروع الأميركي الإسرائيلي.
- ادن ستظل لهذا السبب الرؤية الامريكية هي المهيمنة
- نعم ولهدا السبب بالذات أعتقد أنّ العلاقات الإيرانيّة السعوديّة لا يُمكن أن تدخُل في مرحلة توافُق حقيقي إلا إذا كانت هناك على الأقل منطقة مُشتركة لكيفيّة تسوية الصراع العربي الإسرائيلي وتحييد الدور الإسرائيلي في المنطقة وحلّ المُشكلة الفلسطينيّة .
- فما الذي جعل هذا التقارب الايراني السعودي جد معقد
- ربما السبب الرئيسي، هو ان (السعوديّة) كانت تتصرف دوما في الكَنَف الأميركي. النُقطة الثانية هي ان السعودي يشعُر أنّ هناك مشروعاً إيرانياً لتصدير التجربة الايرانية في المنطقة العربية اي تجربة ثوريّة مقابِل نظام تقليدي فالنظام الملكي بطبيعة الحال سيشعر بالتهديد
- لكن اليس هناك سببا داخلي أي هوية النظام بنفسه
- بالضبط هناك سبباً يجب ألا نغفل عنه وهو طبيعة النظام السعودي في عالم تغيّر. لكن العامل الامريكي يظل اساسيا ثم تفاعل انظمة المنطقة
- أي تفاعل تتحدث عنه وكيف تامل ان يكون عليه حتى تبدو الصورة اوضح
- والحقيقة انها عقدة لا بد من حلها حيث عندما نقول الأميركي كنقطة اولى هذا يعني تلقائياً إننا نتحدّث عن النُقطة المركزيّة التي حرّكت الثورة الإسلاميّة في (إيران) اي القضيّة الفلسطينيّة. وبالتالي، دائِماً تشعُر (السعوديّة) في مكانٍ ما أنّها تفتقِد لنُقطة قوّة مُرتبِطة بهذا الصراع أو الخطاب المتعلِّق بالمواجهة مع (إسرائيل) ان لن تتمكنّ من حلّ إشكاليّة بين أن تكون في كَنَف (أميركا) وأن تكون في مواجهة مع (إسرائيل وهده هي العقدة التي يجب حلها
- الا تعتقد أنّ الأمر لا يرتبط فقط بدالك او بالولايات المتحدة بل ان الخلاف السعودي الإيراني هو خلاف مصالِح سعوديّة وإيرانيّة في الدرجة الأولى.
- كيف
- كلما في الامر هو أنّ الهدف الأساسي لـ (السعوديّة) هو حماية النظام من أيّة أخطار تُهدّده سواء أخطار في الإقليم أو أخطار على المستوى الدولي.
- بالفعل من هذا المنظور ترتبط السياسة السعوديّة إلى حدٍّ كبير بالسياسة الأميركيّة لكن هذا الارتباط يتغيّر من فترة إلى أُخرى ومن إدارة أميركيّة إلى أُخرى.
- لكن الآن ما الذي دفَعَ الأطراف إلى الجنوح للحوار بعدّ فترة من تغيّرات طرأت خاصّةً في (السعوديّة) ما هي الدوافع ؟
- كما اشرت اليه أنّ العامل ألأساسي ولا أُريد أن أقول الوحيد هو التغيُّر الذي حدث في القيادة الأميركيّة.
- مرة اخرى اطرح السؤال كيف تم دالك
- شعرت السعودية بعد الهجمات الحوتية وخاصة استهداف ارامكو بنوع من التهديد الجيو- سياسي لمُستقبل المملكة بدون ان تتحرك الولايات المتحدة. نتيجة لدالك فأنّ السعودية تعي الان ان الأميركيّون يُعيدون تعريف مفهوم الحماية ويُعيدون تعريف مفهوم حضورهم في المنطقة لصالِح الأولويّة الأُخرى
-وضح اكثر من فضلك
- (السعوديّة) تبحث الان عن دور جديد بغضّ النظر عن فشلها في الكثير من الصراعات فهي تحتاج إلى البحث عن دور جديد لأنّ المنطقة دخلت في لحظة هندسة.
- ونتيجة لذلك فان " الحلف الإسرائيلي – الخليجي ضدّ (إيران) يتفكّك ويتبخّر اليس كدالك.
- نعم وهدا ما دفع بالدول الخليج التي عارضت بقوّة في السابق الاتّفاق النووي مع (إيران) الى دعم إحياءه خلال فترة عدم اليقين بشأن بقاء (أميركا) كقوّة في المنطقة لكن يبدو لي ان الحوار مجرد مناورة
- لا ابدا فالحوار جدي وله طابع الجديّة في السير في هذا التفاوُض لكن كلما في الامر السعوديين لا يُريدون أن تستفيد (إيران) من صورة الحوار حتى تُعزِّز صورتها وواقعها من دون أن يكون لهذا الحوار نتائِج عمليّة
- الان هناك اتجاه نحو الحوار لكن فمادا سيقع إذا غادرت إدارة "بايدن" وجاءت إدارة أُخرى على غرار "دونالد ترامب" هل ستعود الأمور مرّة أُخرى إلى التصادُم؟ بمعنى، هل الحوار الإيراني الخليجي يتبع للطقس الأميركي؟
- (السعوديّة) في تقديري الشخصي تسلك طريق براغماتي ولهدا فهي تنظُر إلى النظام الإسلامي في (إيران) كنظام ثوري يُشكِّل تهديداً وجوديّاً لها ولمُعظم الأنظمة في الخليج لذلك هي كانت تتمنّى أن يستطيع "ترامب" إحداث تغيير حقيقي ليس عندما تبيّن أنّ (إسرائيل) تتبنّى نهجاً أكثر تطرُّفاً من (الولايات المتّحدة الأميركيّة) نفسها لم يكن لدى (السعودية) مانع من أن تتعاون مع (إسرائيل) أو تُمهِّد الطريق أمام تحالفات مع (إسرائيل) وهي تنهج نفس النهج مع ايران من منظور عملي
- لهدا الآن الوضع مُختلِف. اليوم لا تُبدي دول الخليج حماسةً للتصعيد الإسرائيلي حيال مُفاوضات فيينا
- نعم الأنّ (السعوديّة) تُدرِك إدراكاً عميقاً أنها لن تستطيع تغيير النظام في (إيران)، والذي يستطيع تغيير النظام في (إيران) هو (الولايات المتّحدة الأميركيّة) فهي بالتالي تُراجع سياساتها التي تمّت بالذات في عهد "ترامب"
- الاتوجد الى جانب دالك اسبابا اخرى
- بالطبع يمكننا ان نضيف ان (السعوديّة) اضحت في أضعف مراحلها، لم يعُد هناك وجود عربي معها ضدّ (إيران) كما كان (العراق) في الثمانينيات، دول الخليج لم تعُد كتلة متماسِكة بل أصبحت لديها علاقات عدائيّة تجاه (السعوديّة) في شكلٍ مباشر أو غير مباشر مثل (قطر)، (عُمان) لديها سياسة مُختلفة تماماً عن (السعوديّة) وكذلك (الإمارات) أيضاً، بالتالي لم يعُد لدى (السعوديّة) أي خيار اخر سوى الحوار والتقارب لتفادي الخطر.
- فمادا عن العامل الاقتصادي مثلا
- بالضبط وكأنك تستقرا افكاري فالسعوديّة لم تعُد مُهمّة لـ (أميركا) كما كانت في الثمانينيات وفي السبعينيّات، (الولايات المتّحدة) كانت تستورِد ثلاثة عشر مليون برميل يومياً والآن (الولايات المتّحدة) أصبحت تُصدِّر البترول وأصبحت تستورِد مُعظم احتياجاتها من البترول من (كندا) ومن (المكسيك)، بالتالي (السعوديّة) لم تعُد دولة مُهمّة.
- في هدا الحال هل ستقبل بنفوذ ايران
- لا لا هذا لا يعني الاستسلام أو القبول بالهيمنة الإيرانيّة على المنطقة
-واضح. اتفهم الوضع أي هناك مجرد منهجيّة الحوار الذي يسعى في تخفيف ملفّات مُشتعلة في المنطقة حرب (اليمن)، (لبنان)، (سوريا)، (العراق) إلى آخره. لكن ما نسمعه من الإيرانيين في شكلٍ دائِم لا يبعث على التفاؤل
- بمعنى
- فما سمِعناه في (فيينّا) وسمعناه على طاولة الحوار أنّ الطرف الإيراني يقول، إذا أردت أن تتحدّث عن (اليمن) اذهب إلى الحوثيين وتحدّث معهم. إذا أردت أن تتحدّث عن (لبنان) اذهب إلى "حزب الله"، هو المعني بهذا الأمر ولسنا نحن، تُريد أن نتحدّث عن (سوريا) اذهب إلى الرئيس "بشّار الأسد" هو المعني ولسنا نحن و هذا يعني ان الحوار مجرد تكتيك يؤدي الى نتيجته صفريّة في ألمفاوضات بمعنى أنّ (إيران) تناوِر فقط ؟
- لاشيء يؤكد ان ايران لا تسعى الى حوار جدي حتى الان
- سؤالي هو عندما كان الأميركي حاضراً مباشرةً في المنطقة بثِقَله وكان لا يزال وزن (السعودية) الاستراتيجي مقبولاً في المنطقة وكان وزن (إسرائيل) الاستراتيجي مقبولاً في المنطقة لم يتمكّن هذا المجموع من منع نفوذ (إيران) وحلفائها في المنطقة فكيف يُمكن أن يحدُث ذلك في لحظة نتحدّث فيها عن تخفُّف وتغيُّر في الأولويّة الاستراتيجية الأميركيّة؟
- الحقيقة فايران تبحث عن توافق ما مع محيطها الخارجي والسعوديّة تبدأ في البحث عن دور. إبن سلمان" يبحث أيضاً عن شرعيّة ذاتيّة بالتالي هو يطرح عناوين عام 2030 وبالتالي هو في حاجة إلى اقتصاد مُستقِرّ، والاقتصاد المُستقِرّ يعني أنّه في حاجة لأن يُهدّئ الجبهات في المنطقة وأيضاً في حاجة لإرضاء "بايدن" بعد تهدِئة الجبهات لأنها تهدّئ الجبهات مُراعاةً لـ "بايدن" وسياسة "بايدن" في المنطقة اود أن أقول إنّ كلّ المُعطيات تؤكِّد أنّ هناك حاجة وجوديّة للسير في تفاوَض في الأخصّ مع (إيران).
- لكن عمق الخلاف ضخم جداً، نتحدّث عن حرب باردة لمدة أربعين أو خمسين سنة عملياً.
- (إيران) في حاجة في هذه الفترة أن تنفتِح سياسياً لفضاءات سياسية واقتصادية لأنّ (إيران) بلا شكّ ضُغِطت واقتصاديا و(السعوديّة) أيضاً في حاجة لفضاءات سياسيّة جديدة وفي حاجة أيضا لرفع التهديد الأمني والاستراتيجي عنها. بالتالي هذان العاملان الضاغطان يمكن أن يُشكّلا مدخلاً لبداية
اضف الى دالك التصميم الأمريكي على الاعتماد على الشركاء الإقليميين في الوصول إلى تهدئةٍ ووقفٍ لإطلاق النار.حيث عدّل بايدن اتجاه بوصلته بعض الشيء تحت ضغط تيار من حزبه وضغط الرأي العام مما دفع الى استراتيجية الانسحاب الأمريكي في الشرق الأوسط اد أن الأولويات الأمريكية اضحت الان في مكان آخر.
- ما يعني مزيداً من علامات التعجب والاستفهام حول مقولة "ملء الفراغ".وحول مدى استفادة خصوم واشنطن الدوليين والإقليميين من انسحابها وضعف دوافعها في المبادرة الإيجابية والسلبية لكي تملأ الفراغ.
- فبكل بساطة أمريكا تتفرغ لمطاردة "الوحوش"وهي تسعى الان للتركيز في المحيط الهادي لردع الصين
والاحتفاظ بحق التدخل السريع ضد إيران وروسيا
- مما دفع بالتالي دول المنطقة ان تدرك بعد سنوات من التوتر والصراع أن بوسعها تفادي الصراع اليس كدالك.
- نعم دول الخليج وغيرهم من الدول المجاورة أمام تحول جديد في المنطقة مفاده تحييد الأزمات التي يمكن تحييدها كلما كان ذلك ممكناً من أجل التفرغ للأزمات الأكثر تعقيداً.