السوق الاسبوعي "الأحد" بدمنات، من يحمي صحة المواطنين ؟
بقلم : ذ.نصر الله البوعيشي
" من بين جميع أشكال عدم المساواة، فإن الظلم في الرعاية الصحية هو الأكثر إثارة للصدمة واللاإنسانية”
مارتن لوثر كينغ
على غرار جل البوادي المغربية ينظم بدمنات - التي لا يمكن أن نقول إنها بادية بالكامل وليست حضرية بالتأكيد - يوم للتسوق يطلق عليه «سوق الأحد » كونه يتزامن مع آخر يوم في الأسبوع يحج اليه الفلاحون والتجار والحرفيون و سكان المنطقة.
يلعب "السوق الحد" دورا اقتصاديا حيويا لأنه يشكل مصدر دخل أساسي من خلال تسويق المعروضات الصناعية العصرية و والتقليدية المتنوعة و المنتوجات الفلاحية بما فيها خضر فلاحي المنطقة ، كما تزدهر فيه تجارة الافرشة و الملابس والأحذية والأواني المستعملة التي تستورد من أوروبا و التي تتميز بجودتها وسعرها الرخيص .
احتفظت دمنات ، بسوقها الأسبوعي الذي كان ينعقد داخل اسوار المدينة قبل ان تعمد الحماية الفرنسية الى نقله الى خارج السور موقع المحطة الطرقية والساحة المعروفة عند الدمناتيين بساحة الملياراليوم ، حيث كان السوق يتوفر على مكاتب ادارية للمداومة يتواجد بها القائد اوخليفته ورجال القوات المساعدة للتدخل عند الضرورة لفض النزاعات التي تنشب احيانا وتوجد به حنفيات للماء الصالح للشرب ، ومراحيض، وتخترقه ساقية دائمة الجريان ومكان مغطى لتسويق اللحوم ......، قبل أن يتحول مكانه الى تيزغت في صفقة بالملايير قيل عنها الكثير، ويتحول الى ما يشبه أرضا خلاء و سوق عشوائيا عبارة عن مزبلة و بؤرة للتلوث وبامتياز ، ويبدو من خلال الاختلالات الكثيرة والعديدة التي تميزه أنه لا يدخل في دائرة اهتمام القائمين على الشأن المحلي من سلطات و منتخبين . فحالته لا تحتاج الى دراسة تشخيصية، فزيارة سريعة ل"سوق الحد"، كفيلة بوضع الزائر في صورة الفوضى العارمة والعشوائية التي بات يشهدها هذا الفضاء "التجاري" البعيد عن مواصفات السوق الاسبوعي النموذجي المنظم و الذي يؤمه آلاف الزوار كل أسبوع من متبضعين و بائعين تجاريين محليين وقادمين من خارج المنطقة ...ما اريد ان اتناوله في هذا المقال ليست الوضعية المزرية لهذا السوق الذي لا تحترم فيه شروط البيع و الشراء لعدم تهيئته و تنظيمه نظاما يليق بشعبيته و زواره وبكمية السلع المعروضة فيه وبهذه الحركية الدؤوبة التي يعرفها ، والذي كان من المفترض أن يشكل تحولا متطورا في الحركة التجارية و الاقتصادية بدمنات ، حيث سينقله الى فضاء يتميز بجودة عروضه و خدماته لقوة حركيته ...فلا شيء من هذا : فلا أجنحة بارزة ولا أروقة تمكن الباعة من ترويج وبيع منتوجاتهم في ظروف مواتية ... ولا ممرات تسهل مرور المرتفقين والعربات التي تنقل مقتنياتهم ، سوق بدون أي قيمة مضافة تذكر، باعة يعرضون بضاعتهم بدون اي نظام و بدون أية مراقبة .
إن الاهتمام بسوق الأحد مدخل للتنمية الترابية ، ولا يمكن أن نطور الإنتاج و الإنتاجية والتنوع الاقتصادي لدى الفلاح والتاجر المحلي دون تأهيل وعقلنة وتحديث هذا السوق خاصة وأنه يدر مداخل مهمة على الجماعة.
اريد ان اتناول في هذا المقال ظاهرة اجتماعية متجذرة لها تاريخها داخل المجتمع المغربي ارتبطت بسوق الاحد بدمنات كغيره من الأسواق الأسبوعية وهي ما زالت سائدة حتى الآن، بل يبدو انها في ازدهار إنها ظاهرة :
"المشعوذين ومحترفي الطب و النصابين باسم العلاج "
أول ما يثير انتباه زائر سوق الاحد بدمنات اصوات مكبرات الصوت التي يستعملها العشرات من الباعة بالسوق الذين يتفنون في تشنيف اذان المتسوقين بوصلات اشهارية لبضاعتهم ، والخطير أن تسمع من خلال هذه المكبرات دروسا في الطب والشعوذة والسحر والجنس هؤلاء "لأطباء " نصبوا طاولاتٍ أنيقة واضعين عليها علبًا تحوي أعشابًا وحبوبًا بعضها ذات أصول محلية، وأخرى ذات أصول خليجية وصينية او مجهولة المصدر .... دجالون ونصابون يروجون لوصفاتهم بلغة كلها ثقة وتحدي ويطلقون عليها أوصافًا سحرية. يتحدثون عبر مكبرات الصوت بلغة مختارة مستدلين احيانا بايات قرآنية واحاديث نبوية لاستمالة أكبر عدد ممكن من الزبائن / الضحايا ويقسمون بأغلظ ايمانهم أن لديهم وصفات لعلاج جميع الامراض والأعراض بما فيها تلك التي وقف الطب الحديث عاجزا أمامها ،عندهم ادوية لعلاج العقم والسرطان وآلام المعدة والعظام وضعف البصر والسمع والمتانة وآلام الفم والأسنان وآلام الدورة الشهرية والأمراض الجلدية والأعصاب والكلي والضعف الجنسي ويركزون كثيرا على الضعف الجنسي ويستعملون لذلك مفردات من القاموس الاباحي على مسمع من الكبار والصغار ومن الأمهات والآباء والأبناء متذرعين دائما بعبارة " لا حياء في الدين" .... باختصار يتوفر هؤلاء المشعوذون /النصابون على دواء لكل داء يمكن ان يصيب جسم الإنسان ولا يقف الامر عند هذا الحد بل ان طبيب السوق يضع رهن اشارة زبنائه إمكانية تجريب دوائه في عين المكان ، ويمدونهم بجرعات من محلولات مختلف ألوانها من قارورات مفتوحة أمامه ، ويضعون مراهم او قطرات في أعين وآذان "مرضاهم" ويتحدونهم ان يصرحوا بانها لم تحدث اي مفعول لديهم ( طبعا نحن نعلم أنه في الغالب الأعم يوجد من بين الواقفين مساعدون يتقمصون دور الزبناء يأخذون مقابلا على تواطئهم ، و غالبا ما يكونون من ابناء البلد لتنطلي الحيلة على الأخرين ).
سوق الأحد بدمنات أضحى سوقا لكل الدجالين والسحرة والغشاشين بمكبرات الصوت ،اين هي السلطة المحلية ؟ اين هي الشرطة الادارية ؟ أين هي مراقبة وزارة الصحة ؟ أين هي جمعيات حماية المستهلك ؟ من يحمي المواطن المغلوب على امره الذي يؤدي فاتورة تقصير من عهد اليهم حماية المواطنين بواجبهم من صحته و من أرزاق أبنائه .؟ هل نحن فعلا في القرن الحادي والعشرين ام في القرون الوسطى ؟
كثيرة هي الأسباب التي تدفع بالكثيرين للجوء إلى هذه النوع من العلاج ، وقد يكون أبرز سبب فضلًا عن كلفة الأدوية والعلاجات المصنعة ، الوضع الكارثي الذي يعيشه القطاع الصحي بالمغرب وما يعني ذلك من نقص في الأدوية والتجهيزات الطبية والأطباء، الوضع الذي وصفته "الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة" بـ"الأسوأ في تاريخ المغرب"، حيث قالت في تقرير لها حول واقع الصحة العمومية، إن "ما يناهز 70% من المستشفيات المغربية العمومية الموزعة على مختلف الجهات، هي غير صالحة، ويجب إغلاقها، لأنها لا تتوفر على أدنى الشروط اللازمة لاستقبال المرضى وتقديم العلاج لهم".
ان فشل المنظومة الصحية دفع بالكثير من المواطنين الى البحث عن العلاج في العيادات والمصحات الخاصة رغم تكاليفها الباهضة فيما يبحث الاثرياء وعلية القوم من سياسيين ورجال الاعمال والموظفين السامين الى البحث عن العلاج في عيادات ومستشفيات اوروبا وامريكا ، بينما السواد الاعظم من المغاربة الفقراء في المدن والقرى الأقل حظًا من التعليم والصحة يلجؤون إلى الأضرحة وأماكن الحجامة والكي والرقية واطباء الدجل في الاسواق حيث العلاج في المتناول وبأبخس الاثمان وفي اسرع وقت وبعيدا عن أعين الفضوليين لان بعض المرضى يستحيون من عرض مشكلاتهم الصحية على الأطباء خصوصا الامراض الجنسية والتناسلية خوفا من الفضيحة غير مكثرتين بخطورة تناول ادوية غير مراقبة و مجهولة المصدر قد تحتوي على مركبات سامة يمكن أن تؤدي إلى آثار سلبية خطيرة على البشر، مثل الإصابة بسرطان الكبد والفشل الكلوي والاضطرابات الإنجابية وضعف جهاز المناعة وقد تؤدي إلى الموت .وقد اثبت مجموعة باحثين من جامعة ستيلينبوش بجنوب أفريقيا، في بحث أجري عام 2018 ان استخدام الوصفات العشبية والأدوية الكيماوية معًا، تؤثر بالسلب على مفعول الأدوية الكيميائية، وقد يصل الأمر لإحداث تسمم. ومن خلال متابعة تقارير 49 حالة، خلصوا إلى أن الوصفات الشعبية كانت السبب في حوالي 60% من الحالات السلبية.
كما أن الارتفاع الصاروخي لأسعار الأدوية ، حيث يذكر أن أرخص الأدوية التي تباع في المغرب، يفوق سعرها على الأقل بـ %30 ثمنها الدولي، و غياب رعاية صحية عمومية تشمل جميع طبقات المجتمع و ارتفاع أصوات غير المتخصصين و بعض الاشخاص "الخارقين" المنتشرين على الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي على تشجيع الناس على استعمال مواد معينة لكفاءتها حسب زعمهم في علاج الكثير من الأمراض المزمنة دفع المواطنين الى استخدام هذه المواد والبحث عنها باي ثمن . ويستغل النصابون هذه الدعاية للترويج لبضاعتهم بل منهم من يستعين بهذه البرامج بالصوت والصورة لاستمالة الزبناء .
يُعد الحق في الصحة، بما يشمل الحق في الحصول على الرعاية الصحية المقبولة، والميسورة التكلفة، وذات الجودة المناسبة في التوقيت المناسب، أحد حقوق الإنسان المعترف بها عالميًا، كونه حقًا يمس حياة الفرد، وتَعتبر منظمة الصحة العالمية الحصول على الأدوية الأساسية بأسعار معقولة أحد الإجراءات الضرورية لتحقيق الأهداف الإنمائية ذات الصلة بالصحة.
كما نص الدستور المغربي على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين من الحق في العلاج والعناية الصحية …
و قد تطرقت عدة مقتضيات قانونية بطريقة مبدئية رمزية أو أدبية لبعض جوانب الحق في الصحة مند صدور القانون 65.00 بمثابة مدونة للتغطية الصحية الأساسية، في أكتوبر 2002 القانون 34.09 بتاريخ 2 يوليوز2011 المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاجات فقد أفرد للحق في الصحة المادة الخامسة التي تنص على مسؤوليات باقي مكونات المجتمع والدولة في الرعاية والحفاظ على الحق في الصحة.
كما أكد القانون 112.14 المنظم للعمالات والأقاليم والصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015، في مادته 79 على الاختصاصات الذاتية لهذه الأخيرة في مجال الصحة، أما القانون رقم 111.14 المنظم للجهات الصادر في 23 يوليوز 2015 فتحدث في مادته 94 عن الصحة باعتبارها أحد المجالات المنقولة من الدولة إلى الجهات .
ونص القانون التنظيمي رقم 113.14 على دور الجماعات في ميدان حفظ الصحة، أما المادة 3 من القانون 34.09 فتنص على أن هدف أعمال الدولة في مجال الصحة هو الوقاية من الأخطار المهددة للصحة، كما تدخل في خانة هذه الأعمال التربية الصحية والتشجيع على اعتماد أنماط عيش سليمة، المراقبة الصحية وتقديم خدمات وقائية أو علاجية أو ملطفة وخدمات إعادة التأهيل
إن مسؤولية تنظيم السوق يقع على عاتق المجلس البلدي، ويقع بصيغة أكبر على رئيس المقاطعة الثانية القريبة جدا من مكان السوق الأسبوعي وأي تهاون أو تساهل في هذا الشأن يكون على حساب صحة المواطنين وراحتهم .
ثم إن مراقبة جودة السلع والمواد التي تباع في السوق الأسبوعي تسائل مسؤولي مصالح وزارة الداخلية المكلفة بالزجر والمراقبة و محاربة المشعوذين والدجالين والنصابين منتحلي الصفة وتسائل مصالح وزارة الصحة المكلفة بحفظ صحة المواطنين وحمايتهم من استهلاك مواد مسمومة ومغشوشة تكون عواقبها الصحية كارثية على المستهلك
الصور والفيديوهات التي توثق لما ذكرته موجودة ولكن نظرا لان القانون يمنع نشر صور الأشخاص دون علمهم فقد حال تعزيز هذا المقال بالصوت والصورة .
هذه صور لنماذج من الأدوية التي تباع للمواطنين بالسوق الاسبوعي الاحد بدمنات والتي يعلم الله مكوناتها ومصدرها

