الرحالة والمغامرون في أرض الله الواسعة والانتقال والترحال من مكان إلى آخر بهدف سبر أغوار الطبيعة ومعرفة أنماط البشر والغوص والبحث عن المجهول لتحقيق أهدافهم من حب ومتعة المعرفة وإمتاع أنظارهم وتفتق أذهانهم والوصول إلى مبتغاهم، ويجانب الرحالة الكثير من الصعاب والعقبات والصدمات والمفاجآت، بصبرهم وقدرتهم على تحمل الصعاب وركوب الأخطار وبقوة ملاحظاتهم وقدرتهم على تدوين مشاهداتهم، وهناك الكثير من الرحالة العرب والمسلمين على مر الزمان والمكان، ونخص بالذكر الرحالة ابن بطوطة فهو من أشهر الرحالين العرب والمسلمين في زمن العصور القديمة والوسطى.
وابن بطوطة ولد في طنجة المغرب العربي (1304م - 1377م) في القرن الرابع عشر الميلادي.
وأتقن اللغة العربية والفارسية والتركية وكان متمرسا بفن الكتابة القصصية والتاريخية والجغرافية والأدبية، بدأت رحلاته من موطنه طنجة قاصدا زيارة بيت الله الحرام مكة المكرمة للحج والعمرة والاستماع لمن في المشرق من العلماء المشهورين بعلمهم وتقواهم وكانت في زمن ما يسمى بالعالم القديم عالم العصور الوسطى، طاف بلاد المغرب ومصر والشام والحجاز والعراق وفارس والهند والصين وما وراء النهر واليمن والبحرين وتركستان وجزيرة جاوا وجزر سرنديب «سيلان» وأواسط أفريقيا وغيرها من الأمصار واتصل بكثير من الملوك والأمراء فمدحهم، كان ينظم الشعر واستعان بهباتهم على أسفاره وجمعت جميع رحلاته في كتاب تحت اسم «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار» ترجمت إلى عدة لغات.
تلقبه جمعية كامبريدج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالين المسلمين.
وما يميز ابن بطوطة انه راو ممتاز بأحاديثه ومشاهداته يخترقها بعناصر التشويق والقصص المسلية وقدرته على الإبداع الخيالي والوصف الدقيق وهو ينقل للقارئ عادات وتقاليد وديانات الشعوب ونوادر الأخبار والطرائف المسلية وروايات منمقة ويصف المدن وصفا دقيقا بعين مصور بارع صادق بأسلوب سلس والأوصاف المسهبة وسبر بسير الشعوب ووصف ملابسهم بأنواعها وأشكالها والأطعمة باختلاف أصنافها وظروف طهيها والفنون التي تشتهر بها كل دولة وبناء منازلهم وما تمتاز به كل دولة في الزراعة والصناعة والتجارة ووسائل النقل.
اهتمت الجمعية الجغرافية في إسبانيا بكتب الرحالة الأندلسيين إلى المشرق الإسلامي، ولرحلات ابن بطوطة أثر كبير في نفسيته فطمحت نفسه لاكتشاف المجهول وللسياحة في أرض الله الواسعة، والقرآن الكريم والسنة النبوية يحـــضان على الرحلة، (قل سيروا فـــي الأرض - سورة الأنعام: 11).
عاد ابن بطوطة إلى وطنه مدينة فاس في المغرب العربي بعد غياب دام سبعة وعشرين عاما متجولا في أرض الله الواسعة واستخدم ابن بطوطة الدواب كالجمال والخيول في تنقلاته البرية والمراكب في تنقلاته البحرية.
هؤلاء هم الأبطال العباقرة الرحالة العرب المسلمون ومناقبهم الحميدة ولهم الفضل الكبير بأنهم حفظوا لنا التراث العربي الإسلامي ووصفهم الدقيق لعصور قديمة غابرة في زمانها ومكانها وتوثيقهم للرحلات بقوة تعبيرهم اللغوي وسرد المعلومات بطريقة مشوقة قصصية بعين فنان بارع التصوير وتدوين المشاهدات بكل دقة لم تخل من أي شاردة ولا واردة.
لننهل من أدب الرحلات ونستصبح بأنواره ونقطف من ثماره ومن قرأ كتب الرحالة تعصمه من زلة الجهل بالأمر، وبالعلم والمعرفة يجلو نوره الدياجي والظلمات.