مذكرات جندي
الحـــلـ5ـقـــــة
كتبها : لحسن كوجلي
مهمة الجندي في جوهرها هي القتال، لذا سمي بالمقاتل، والمقاتل إما قاتلا او مقتولا، فحتى وإن عاش، فانه لا يسلم من تبعيات الكوابيس اللواتي تلاحقه اينما حل وارتحل ، خصوصا حين يحال على التقاعد. هذه الكوابيس المتعششة في خلايا دماغه تنسج له نمط تسيير شؤون ما تبقى من حياته بطريقة استثنائية تبدو للاخرين اسلوب جنوني.
المعروف عند بعض الدول التي تحترم وتقدر الانسان كانسان، نجدها تجتهد في تدبير امور الجندي، تحيله على التقاعد مبكرا حتى لايتاثر، وتعيد ادماجه في المجتمع المدني حين يتقاعد. عندنا نجد الامر مؤسف، وحتى المجتمع المدني الذي وجب عليه تفهم الامر نسجل عليه انه لايحترم ولا يقدر تضحيات هذا الجندي، بل الامر يتعدى
ذلك حين ينعته بالاحمق دون ان يدرك المتسببات.
كيف لشاب ابن التاسعة عشرة ربيعا مثلي، ترك حجرة الدراسة دون ان يفصل منها، كان يجلس في الفصل محاط بنمادج بشرية تسر الناظرين، ثلميذات يوازي جمالهن ضوء القمر في ايام التشريق. فجأة تجده في سرية عسكرية في ادغال التويزڭي، وسط رمال تقشعر منه الابدان من شدة الحر والخوف. محاط بنمادج بشرية فريدة من نوعها،
وسط هياكل دبابات وشاحنات مدمرة بفعل القادفات والالغام. شاب تسبب له الفقر في سوء التوجيه، فعوض ان يصير طبيبا او مهندسا وجد نفسه هدفا لراجمات صواريخ العدو.
مهمة الجندي في نظري يجب ان توثق دستوريا كاشرف مهنة على الصعيد الوطني، لتسير في في الطرح المغربي الذي يعتبر الصحراء القضية الاولى.
بعد ان بلغت في الكبر عتيا، صدمت من تساؤل شاب مثقف ألمني به حين قال لي يوم كنت اتفاخر واشتكي بمنجزاتي ومعاناتي العسكرية :* من طلب منك ان تضحي في سبيلنا ؟؟ *) سؤال اغضبني، لكنه وجيه ويستح مناقشته.بالفعل، فمن طلب مني ذلك؟
خلوت بنفسي لعدة ايام ابحت خلالها عن جواب اقنع بها ذاتي المتهالكة بفعل المهنة التي لم اجن من ثمارها سوى تلك الكوابيس اللعينة. وكذا زوجتي وابنائي الذين
لم استطع ان اوفر لهم الحد الادنى للعيش بعد حوالى عقدين ونصف في ادغال الصحراء . البحت عن الجواب تطلب مني الغوص في ماضي الذاكرة والنبش في مذكرات الصبى، وجدت ان تلك المرحلة الساخنة تتطلب منا اكثر من التضحية.
هذه الفرصة مناسبة لي لاقنع المتسائل الذي اهانني، ومعه كافة الشعب والحكومة الحالية التي اقصت المتقاعدين من صلب الاهتمام، لاقول لهم ان المغرب ما بعد المسيرة الخضراء كان موضوع يشتغل فيه الاعداء ليل نهار للنيل منه. لذا كان المغاربة
كلهم متماسكين غير مهتمين بالماديات. كانت ارواح الشهداء اللواتي تتساقط ابان الحرب تتحتم علينا القيام بواجب الدعم كل من موقعه. اخبار العدو التي كنا نلتقطها على امواج الراديو تثير النقع في احشائنا، حكايات المحاربين اثناء عطلتهم، كلها عوامل تحفيزية من اجل الاهتمام والمساعدة. الوطنية لا تعبر عنها الكلمات، بل يجسدها واقع التضحية.