عندما يصبح الراء غاء وحروف الهجاء عجماء
الكلمة مجموعة حروف، والحرف إن حرف غابت المعنى، وخابت وفسدت الكلمة.
ذ.محمد علي أنور الرﮔـيبي
anouar.rougaibi@gmail.com
فلاح مصري " صعيدي "، بعث ابنه للدراسة خارج الوطن، فاستقر به المقام بمدينة الضباب العاصمة الانجليزية لندن ، الدولة التي استعمرت مصر لمدة 40 سنة (٭) بحيث ترسخت بها اللغة والتفافة الانجليزية.
ابن الصعيدي الفلاح المصري، رحل عن القرية تاركا (الكفر والفدان) كما يقول المصريون إلى بلاد العجم، عملا بالحديث النبوي " اطلبوا العلم ولو في الصين"، رحل ومعه اللكنة الصعيدية المصرية وفصاحة اللغة العربية، كل الحروف الأبجدية كان ينطقها نطقا عربيا سلسا، وفي صدره ما تيسر من القران الكريم، الذي تلقاه عن أبيه الشيخ الصالح الحمل لكتاب الله.
مرت السنون الدراسية، والصعيدي الفلاح الشيخ الفقيه، يترقب عودة الابن البار لأرض الوطن لتحريره من براثن مخلفات الجهل، و الأمية والاستعمار.
استغل الشيخ فرحة عودة الابن، وكان أول وصال وتواصل، وفسحة نقاش، وحوار وامتحان، عما جناه الابن في بلاد الغربة، ومن خلال تجاذب الحديت بين الصعيدي وابنه، لحض الأب أن لسان ابنه لم يعد بنطق عربي، فطلب الشيخ من الابن سرد البيت الشعري. ل امرئ ألقيس.
" مكر مفر مقبل مدبر معا .....كجلمود صخر حطه السيل من عل "
وما كان من الابن إلا أن ردد البيت الشعري بلسان مستشرق انجليزي على الشكل التالي :
" مكغ مفغ مأبل مدبغ "
حينها استشاط الأب غضبا، لما ألت إليه الحروف الأبجدية من لخبطة وتحريف،(حرف الراء أصبح
ينطق غاء، وحرف القاف أصبح ينطق أأ) الحروف أدغمت بعضا البعض، بحيث فقدت اللغة العربية السلاسة والفصاحة في النطق.
ابن مصر أم الدنيا، التي أنجبت طه أحسين، والعقاد وإحسان عبد القدوس، والمنفلوطي وفطاحله الأدب العربي، التوى لسانه في الغربة، لأنه افتقد الحمية والحماية،التي تحتاجها اللغة العربية في البلدان الغربية التي تأوي المهاجرين العرب.
شان ابن مصر هو شان كل أبناء الدول العربية، التي لازالت تئن تحت وطأة الاستعمار الثقافي، والتبعية العمياء، في كل المجالات السياسية، والاقتصادية والاجتماعية. (ولد البلاد) كما نقول بالدارجة. ابن المغرب، له علاقة حميمة مع اللغة الفرنسية، لغة المستعمر، لأنه رضع من ثدي ماما فرنسا، وعزف عن الفطام، وكانت اللغة والثقافة، والانتماء الفرنسي بكل تداعياته هو حنانه وحنينه.
اللغة الام للوطن، والأولى بحكم الفطرة، والانتماء للجدوروالأصول، والمفروضة قانونيا في دستور البلاد، عافها أبناء الوطن، وحاربوها أبناء الاستعمار بالتبني، ولن تفلح في فرض نفسها، وتعزيز مكانتها وطنيا، لأن أبناء الاستعمار بالوكالة الذين تسلموا مفاتيح ومقاليد تسيير دواليب الدولة نيابة عن (الماريشال ليطوي )، وأعوانه (جورج وجاك) وأذنابه، من أبناء أعيان وقياد وبشوات العهد البائد، وزعماء أحزاب وهيئات، خبروا اللعبة، وسفروا أبنائهم للديار الفرنسية، لتمديد الحقبة الاستعمارية إلى ما بعد الاستقلال، وتوطيد الصلة، والعلاقة والإرث الاستعماري، خلفا عن سلف، لتمكين أبنائهم من مناصب القرار، لتطبيق سياسة الاستعمار (القديم الجديد).
ومن خلال هذا الموضوع، والحديث عن الحرف والكلمة، تبادر إلى ذهني أحداث مناسبة تاريخية، عاشها المغرب، إثر احتضانه لمؤتمر رؤساء الدول الإفريقية بالدار البيضاء (يناير1961 )، في عهد الملك محمد الخامس رحمه الله.
مؤتمر رؤساء الدول الإفريقية هذا، كان تشريفا للمغرب، وتعبيرا عن الحظوة والمكانة التي يتمتع بها بين الدول العربية والإفريقية، لنصرته لكل القضايا التي تروم الوحدة، ومناهضة الاستعمار بكل أشكاله، الشيء الذي مكن المغرب من كسب الاحترام الإفريقي والعربي والدولي.
ولتعزيز مكانة اللغة العربية، واحترام القادة والضيوف العرب، و تحسسيهم بأنهم في بلدهم الثاني المغرب، الذي يفتخر بانتمائه للأمة العربية، ويعتز بأخوته لكل الدول العربية والإفريقية، أعطيت التعليمات الرسمية آنذاك، لتزيين كل الممرات التي ستشهد موكب الرؤساء والقادة، وكل الضيوف المدعوة للمؤتمر، برايات وأعلام، ولافتات بعبارات الترحيب، وشعارات عربية، تمجد الوحدة العربية، والإفريقية ومن بين التعليمات الصارمة، ترجمة كل اللافتات، وعناوين الشركات والمؤسسات، من الفرنسية إلى العربية. ولان البلاد لازالت في بداية الاستقلال، و أول طفرة البناء، واللغة العربية في أول التطور. أسفرت بعض التراجم قد نقول عنها مستملحات كانت كالتالي :
ترجمت إلى مغرب خشبMaroc-Bois
ترجمت إلى مغرب زفت Maroc – Goudron
ترجمت إلى بائع الشعوب العربيةMarchand des épices Arabe
(حيث تسارعت العين والشين، واختلفت في أحقية الترتيب، والأولوية في اللفظ والكلمة)
هي عناوين وتراجم، وجب الوقوف عندها، لان دلالة ترجمتها وحقيقتها، إن تمعنا في مراميها، والواقع المعاش لمغرب اليوم، نجد أن مغرب ما بعد 5 عقود ونيف، هو مغرب خشب ومغرب زفت.
مغرب خشب:
السياسة السائدة في البلاد، من برامج الأحزاب (الأحزاب الديناصورات وأحزاب الطفيليات)، ومخططات المسئولين، الذين لا تخطيط لهم، إلا ما خطط عبر أسلاك الخطوط والتعليمات، والتزامات نواب الأمة، وكل المنتخبين، الذين التزموا للشعب وأقسموا على العهد، أقسموا بأن يلتزموا بالتزامات تخصهم دون سواهم، فكانت لغة التواصل مع الموطنين لغة خشب في خشب .
وبقي مغرب الخشب جدع لكل المناشير المستبدة، والأكلة للجسم المغربي الخشب (صعودا وهبوطا).
المنشار السياسي الحزبي، والمنشار السلطوي، والمنشار الاستبدادي والمنشار الريعي.
المنشار و أخ المنشار، وعم المنشار، وكل من له صلة وعلاقة بالسيد المنشار (طالع واكل نازل واكل) كما يقول المثل المغربي، وكما تغنى به نشيد وطني مشهور، في بداية الاستقلال والذي يقول :
" قولوا واهتفوا المغرب لنا لا لغيرنا " كأنه مغربهم وليس مغربنا !
ومن اجتهاداتهم طوروا النشيد، وبصحيح العبارة حوروه إن شئنا القول و أصبح ينطق :
" كولوا وانتفوا المغرب لنا لا لغيرنا "
مغرب زفت:
الحالة السياسية، والاقتصادية للمغرب اليوم بلون الزفت. حكومات توالت مند عقود، تقودها أحزاب اللولبيات، وسماسرة الانتخابات، والشعب لديهم عبارة عن حقل تجارب، للدراسات المستوردة الفاشلة، المؤدى عنها من أموال الشعب، وبنك خاص للصفقات المشبوهة، وناهبي المال العام بدون حسيب ولا رقيب، وقد قال فيهم الشيخ الجليل رئيس الحكومة " عفي الله عما فسد وما سرق وما نهب " وكان الله في عون الشعب الضعيف الفقير المغلوب على أمره.
بائع الشعوب بدل العشوب :
إنه واقع الشعوب العربية، التي ابتلاها الله برؤساء وقادة طغاة، استأمنتهم شعوبهم على مصير البلاد استسيدوا وتجبروا، وأصبحوا بقدرة قادر أصحاب أبار نفطية، ورؤساء شركات ببترولية، ومالكين لأرصدة تضخ بها أموال البيترو دولار، فأفقروا شعوبهم، وباعوهم للدول الإمبريالية، خدام الصهيونية العالمية، باسم محاربة التطرف والإرهاب الدولي.
هي فلسطين، اغتصبت أرضا وشعبا، وطال الغزو العراق، ودمرت الحضارة العربية، واغتيل التاريخ غدرا، وليبيا لم تستفق بعد من هول الصدمة، وبطش القائد الذي ملك البلاد قهرا، وخلف بعده
ارث الإرهاب، الذي ملأ الأرض دمارا ورعبا، وتونس الخضراء، حلمت بربيع هو خريف زين الهاربين. ومصر صدق فيها القول " أليس الصبح بقريب " فالأخبار والأنباء وحقيقة الأمر تقول :
أن أم الدنيا تاهت عن الدنيا، وان مصر المحروسة خدعها حراسها، فأصبح حاميها حارميها.
(٭) استعمار الانجليز لمصر دام من 14 شنبر 1882 م إلى 28 فبراير 1922 م
مع بقاء القواعد الانجليزية في القناة إلى أن كان الجلاء في 18 ⁄ 6 ⁄ 1956 م
9 ماي 2014