رائحة الفساد ..
عبد الحق بلشكر
أظهرت الانتخابات الجزئية، التي جرت يوم الخميس 11 يوليوز الماضي، صورة أخرى مؤسفة لواقع الأحزاب المتدهور، وفساد النخب وفقدانها الالتزام السياسي. حتى البيجيدي، الذي كان يتغنى بانضباط منتخبيه، وقع في المحظور، وواجه «تمردا» على قرار قيادة حزبه، ما أغضب الوزير لحسن الداودي، الذي سارع إلى تقديم استقالته من عضوية جهة بني ملال-خنيفرة احتجاجا على سلوك إخوانه في الجهة.
الاتحاد الاشتراكي، أيضا، تمرد عليه منتخبوه، وصوتوا ضد قرار القيادة، ما دفع الكتابة الإقليمية للحزب في الفقيه بنصالح إلى إصدار بيان «طرد» مستشارة من الحزب، ما يعني أن ما تحكم في تلك المحطة الانتخابية هو حسابات المال والنفوذ وليس حسابات السياسة. فماذا وقع في هذه المحطة الانتخابية؟
تقرر إجراء هذه الانتخابات بعد إلغاء المجلس الدستوري مقعد البرلماني محمد عدال من الاتحاد الدستوري، بعد صدور حكم ضده من إدارية مكناس في نونبر 2017، يقضي بعزله من رئاسة وعضوية جماعة مريرت، جرى تأييده استئنافيا بالمحكمة الإدارية بالرباط في 6 مارس 2018، ورُفض نقضه. وبما أن عدال فاز بعضوية مجلس المستشارين عن الجهة، فقد أعلن المجلس الدستوري إسقاط صفته البرلمانية. ولتعويضه، تقدم مرشحان للانتخابات الجزئية في 11 يوليوز، الأولى هي حليمة العسالي، القيادية في حزب الحركة الشعبية، والثاني هو عابد العمراني، عن حزب الاتحاد الدستوري.
حزب الحركة يتوفر على 12 مقعدا في الجهة، فيما الاتحاد الدستوري له 4 مقاعد، وكان يجب التباري لكسب أصوات بقية الأحزاب. وبما أن عدد الناخبين محدود لا يتعدى حوالي 53 عضوا في الجهة، فقد استعملت جميع الوسائل لإغرائهم للتصويت، ولعب رئيس الجهة، إبراهيم مجاهد، من «البام»، دورا في ترجيح كفة المرشح الدستوري، وكانت النتيجة فوز هذا الأخير بـ33 مقعدا مقابل 18 لحليمة العسالي، فيما اختار رئيس الجهة أن يغيب يوم التصويت لأنه وعد العسالي بدعمها، لكنه اشتغل ضدها في الخفاء، كما غاب عضو الجهة، لحسن الداودي، يوم الاقتراع. فمن أين حصل المرشح الفائز على كل هذه الأصوات؟
بالنسبة إلى البيجيدي، فقد قرر اتخاذ موقف محايد بين مرشحي الحزبين الحليفين، وقررت قيادته التصويت بالورقة البيضاء، لكن المفاجأة أن ثمانية من منتخبي الحزب تمردوا على هذا القرار، وصوتوا لصالح مرشح الاتحاد الدستوري، أما قيادة الاتحاد الاشتراكي، فقد أعطت تعليمات لمنتخبيها الثمانية في الجهة للتصويت لصالح حليمة العسالي، لكن هؤلاء أيضا تمردوا وصوتوا لصالح المرشح المنافس. حتى منتخبو الحركة الشعبية لم يصوتوا جميعا لصالح مرشحة حزبهم، فيما اختار منتخبو البام المرشح الدستوري.
هناك مؤشرات قوية على استعمال إغراء المال في هذه الانتخابات، فحليمة العسالي قالت، في حوار مع «أخبار اليوم»، إنه كانت هناك «إغراءات مالية»، وإن منتخبين طلبوا منها مبالغ مالية كبيرة مقابل التصويت لصالحها، كما أن بلاغ الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي في الفقيه بنصالح، الذي أعلن طرد مستشارة من الحزب في الجهة، برر الطرد بأن «سلطة الحزب فوق سلطة المال والنفوذ».
فرغم أنه لم يبق سوى سنتين من عمر مجلس المستشارين، فإن إغراء المال يبقى هو سيد الموقف، وهناك حديث عن وصول قيمة الصوت إلى 15 مليون سنتيم. وهذا ليس جديدا على انتخابات الغرفة الثانية، والتي تجرى في إطار هيئة ناخبة ضيقة يسهل التأثير فيها بالمال، فقد سبق في محطات انتخابية استعمال التنصت الهاتفي لكشف عمليات البيع والشراء والسمسرة في الأصوات، وأحيلت ملفات على القضاء، وألغيت مقاعد برلمانية، فهل ستكون هذه المحطة الانتخابية الجزئية أيضا موضوع بحث وتحقيق؟