الموت...
بقلم: يطو لمغاري
الموت: زائر مخيف يفرق الجماعات، يأخذ الأب ويترك الأبناء دون سند، يتامى. يغيب صوت الأب الحنون. ينقطع دعاؤه للأبناء بالصحة والسلامة، والرزق والسداد، يغيب الصدر المفتوح، والنظرة المزهوة في وجهك دون أية نية مبية. تغيب الابتسامة الصادقة، والعطاء الموفور.
الموت: غياب، نهاية لكل بداية، لكنه بداية جديدة. إنه النقيض، يحيلك على السواد، الحزن اللون الرمادي يطغى على وجه السماء. النار، الاحتراق، الرماد. حرقتك على الفقيد بمذاق المرارة. يتملكك الحزن الأسف، الأسى الشك التيه، وتنهمر الدموع: دموع دموع دموع، مالحة تذكرك بلوعة الفراق، وبأن المسافر ذهب دون رجعة.
الموت: قناص ممتهن. يتربص بك ويأخذ الفقيد على حين غرة. ينهي الأحلام يقتل الآمال. يوقف الحياة. تلك الملعونة التي تسلمك لرفيقها دون تردد. تصدق أن الورقة سقطت. وأن أيامك فيها انتهت. ليست لها عاطفة ولا إحساس. من دون قلب تنقلب عليك، متقلبة هي بين الفرح والقرح. حمقاء هي تعمل بالكلام المغربي الموروث: " دوام الحال من المحال ".
الموت: عدو الإنسان، غدار غادر متربص بالآدميين يأتي على حين غفلة، حمال أوجه، ينطوي على كل المتناقضات. قد تطلبه في أحرج الأوقات لنفسك أو لأعدائك، ويرفض الاستجابة. وقد تبعده بالدعاء بالتفاؤل باللجوء إلى الطبيب (ة) الأطباء، فيفاجئك. يحب المفاجئات،لايؤمن بمبادئ العاطفة، وحق الإنسان في الحنان. مستبد سلطوي ديكتاتور، قاس عنيف، جارح ماكر غادر أبدا لايرحم.
الموت: توقف الحي عن الحياة. هي السكتة القلبية، أو الدماغية أو هما معا. نهاية دور الطبيب. والمستشفى الموبوء حين يلفظ المريض، عاجز فاشل. وتتوقف الأجهزة عن العمل. والمريض في أيامه الأخيرة تتجاذبه حالتان: الموت والحياة. تتوقف الدورة الدموية. برودة الثلج تعم المكان والزمان والإحساس. البياض الضباب. والموت لاشفاء لاصحة لانشاط. الموت غيبوبة، ثورة ضد الحياة.
الموت: أقوال الفلاسفة والمفكرين في الموت كثيرة منها:
- الحياة فيض من الذكريات تصب في بحر النسيان. أما الموت فهو الحقيقة الراسخة.
- الموت هو سقوط الزهرة، كي تنمو الثمرة.
- غالبا مانهنئ أنفسنا عند اليقظة من حلم مريع. ومن يدري فقد نفعل نفس الشيء، عند الانتقال من أرض الأحلام هذه، إلى أرض اليقظة الأبدية.
- الموت هو حرية المأسور. وشفاء المريض.
- عندما كان أحد الفلاسفة على وشك مفارقة روحه للجسد، سمعه من حوله يهمس بصوت خفيض: "ياليت لي القدرة على الكتابة أو الكلام، لأخبركم كم هو رائع الانتقال من هذه الدنيا إلى العالم الآخر."
ولأن الكمنجات تبكي على زمن ضائع. فإنني أستشهد هنا بمقطع للشاعر الفلسطيني محمود درويش من قصيدته " كم من الوقت ؟ ": " قمة الإنسان هاوية،...فاحذر غدا وعش الحياة. "
- هل صحيح أن الموت هي النومة الأخيرة، أم أنها اليقظة الأخيرة ؟
الموت: حزن فشل سقوط، إنهيارإنهزام إنعدام، إنكسارإستياء إنحطاط، خسارة هموم هروب، شر بأس بؤس، نهاية وداع. هي الفناء الجفاء الهباء، الرثاء الهجاء البكاء الشقاء. الظلام الظلمة الضيق، المصيبة الصدمة السفر البعيد، الرحيل. الشؤم الفراق الهلاك الهوان. الخبر الصعب القاسي. الخبر الصاعقة. يضرب عن بعد وبقوة. صاروخ هاون لايخطئ الهدف.هل هي الحقيقة المحتومة الثابتة لحياة الكائن الحي ؟ والحياة إذن نقصان، زيف، كذبة كبرى. والموت انقلاب عسكري خيانة عظمى ضد أهل الدار، يدخلها آمنا، يؤدي التحية للمريض، وينحني في تؤدة، خافضا جناح الذل من الرحمة، هامسا للمريض: " هيا لقد حان موعد مغادرة الأرض..."