المقال الرابع
ذ. عبد الله نعتي
في هذا المقال سنقوم بالرد على ما قاله الدارودي بخصوص تسمية المواليد بأسماء أمازيغية، حيث طرح السؤال التالي :
لماذا الإصرار على تسمية المواليد بمسميات بربرية أجنبية ؟
لم تسلم الأسماء الأمازيغية من حقد الدارودي و كرهه لها، فاغتنم الفرصة ليصف الأسماء الأمازيغية بأنها تهديد للهوية الوطنية و أنها أسماء أجنبية، و هو ما نقرأه في الصفحة 30 من كتابه حيث يقول : "إن دول (المغرب العربي) في منعها تسمية المواليد بأسماء أجنبية ليست استثناء عن بقية بلاد العالم وليست بدعة في زماننا، فمعظم الدول سنت قوانينا تمنع بها تسمية المواليد بأسماء (أجنبية) من أجل وحدة شعبها والحفاظ على هويتها من التفكك وحماية نسيجها الوطني من الإنشطار"، و بقراءة لهذه الفقرة نستنتج أن الدارودي ظل وفيا لمنهجه في الكتابة، فأطلق العنان للسانه ليتحدث بدون أدلة و بالإعتماد على أسلوبه السوفسطائي في الإقناع، و نقول للدارودي أن قانون الحالة المدنية بالمغرب لا يمنع تسمية المواليد بأسماء أجنبية، و إن كان هذا القانون قد وضع شروطا على أساسها يتم اختيار اسم للمولود، و لابأس أن نذكر هذه الشروط.
تنص المادة 21 من قانون الحالة المدنية في الفقرة الأولى على ما يلي : يجب أن يكتسي الإسم الشخصي الذي اختاره من يقدم التصريح بالولادة قصد التقييد في سجلات الحالة المدنية طابعا مغربيا و ألا يكون إسما عائليا أو اسما مركبا من أكثر من اسمين أو إسم مدينة أو قرية أو قبيلة و ألا يكون من شأنه أن يمس بالأخلاق أو النظام العام.
من خلال هذه الفقرة من المادة 21 من قانون الحالة المدنية نستنتج أن تسمية المواليد يجب أن تحترم الشروط التالية:
أن يكتسي الإسم الشخصي طابعا مغربيا
ألا يكون اسما عائليا
ألا يكون مركبا من أكثر من إسمين أو إسم مدينة أو قرية أو قبيلة
ألا يكون ماسا بالأخلاق و النظام العام.
نلاحظ أن القانون المغربي لم يمنع الأسماء لأنها ليست عربية أو لأنها أجنبية كما ادعى الدارودي، الشرط الأساسي هو أن يكون الإسم ذو طابع مغربي، و إن كان المشرع لم يبين ماذا يقصد بالطابع المغربي، و أما باقي الشروط فلا تطبق في الواقع لتبقى مجرد حبر على ورق، فبالنسبة لشرط ألا يكون الإسم الشخصي اسما عائليا، فإننا نجد مجموعة من الأسماء العائلية قد استعملت كأسماء شخصية مثل : الناصري ، التهامي، و نفس الشيء بالنسبة للشرط الثالث الذي ينص على عدم المساس بالأخلاق و النظام العام حيث نجد في المجتمع المغربي اسم عبد النبي و هو من الأسماء الماسة بالمقدسات الدينية و لكنه رغم ذلك جرت العادة على اتخاذه اسما شخصيا للمواليد.
هذا كل ما يتعلق بالشروط التي نص القانون المغربي على ضرورة توفرها في الإسم الشخصي للمولود، و التي نستنتج من خلالها أن القانون المغربي لا يفرض مسميات عربية كما لا يمنع التسمية بأسماء أمازيغية، و اشترط ضرورة كونها ذات طابع مغربي فقط.
يتحدث الدارودي عن الأسماء الأمازيغية واصفا إياها بأنها أسماء أجنبية لأنها غريبة على المجتمع، و أنها بدعة مفتعلة و جزم أيضا أنه لم يحدث في تاريخ شمال إفريقيا أن أجبر أحد على أن يتخذ اسما عربيا أو إسلاميا، و هو ما نقرأه في الصفحة 30 من كتابه : "إن أجنبية هذه الأسماء البربرية نابعة من غرابتها لعدم شيوعها وتداولها في المجتمع، ومن كونها ابتداعا ً حديثا ُ ومصطنعا، وهي قضية مفتعلة مثل معظم القضايا التي يطرحها أصحاب النزعة البربرية، فلم يحدث في تاريخ المغرب العربي منذ الفتح الإسلامي لشمال القارة الإفريقية أن أُجبر أحد على أن يكون اسمه اسما عربيا أو إسلاميا، وإنما اختار الناس تلك الأسماء القادمة إليهم من جزيرة العرب برغبتهم"، و لابد أن نوضح للدارودي أن فكرة أجنبية الأسماء لكونها غريبة على المجتمع لا تتعلق بالأسماء الأمازيغية فقط بل هناك أسماء عربية غريبة على المجتمع أيضا و رغم ذلك فهي مسموح باتخاذها كأسماء شخصية للمواليد و تسجل في الحالة المدنية دون أي تحفظ و من تلك الأسماء الشخصية نذكر : جيهان ، فدوى ،نهيلة، إلهام، فريد، كمال ... و غيرها من الأسماء، كما نسجل وجود أسماء غريبة جدا بالنسبة للمجتمع في منطقة الصحراء و نذكر من بين هذه الأسماء الشخصية : الناهة، اميلمنين، خريبيشة، النانا، بتيلة، دادي، سلاكها، توفة، الداه، دكجة ... و هنا نقول للدارودي أن المجتمع ليس هو من يرفض هذه الأسماء و يضفي عليها الصفة القانونية، فمن تقدم بذلك الإسم الذي يبدو لك أجنبيا هو أيضا فرد من المجتمع، فالإشكال ليس في المجتمع بل يكمن في العقلية التي يتعامل بها ضباط الحالة المدنية مع المواطنين الراغبين في تسمية مواليدهم بأسماء أمازيغية، هؤلاء الضباط الذين غالبيتهم من مخلفات التعريب، لذا فالمشكلة ستبقى حتى يمر هذا الجيل من المسؤولين ضحايا التعريب و القومية العربية. و لا دخل للمجتمع برفض أو قبول التسمية بمسميات أمازيغية.
و بخصوص سلطة ضابط الحالة المدنية في مدى صلاحية الإسم الشخصي يقول الدكتور محمد الشافعي في الصفحة 275 و الصفحة 276 من كتابه الزواج في مدونة الأسرة : "غير أن الصلاحية ترجع إلى ضابط الحالة المدنية لإبداء رأيه في مدى مطابقة الإسم الشخصي المختار للطفل من طرف المصرح، و ما إذا كان صالحا لأن يحمل كإسم شخصي، و عليه أن يسلك في ذلك جانب الإقناع إذا تمسك المصرح بإسم شخصي مخالف لما سبق بيانه، و ارتأى الضابط عدم صحته. أما إذا أصر المصرح على اختياره، فإنه يتعين على الضابط المعني أن يعرض هذا الإسم على أنظار اللجنة العليا للحالة المدنية التي تقول كلمتها النهائية فيخبر الضابط بقرار اللجنة، ويكون قرارها هذا إلزامي بجميع مكاتب الحالة المدنية."
إلا أننا نلاحظ أن هناك بعض الأسماء الأمازيغية رغم أن اللجنة العامة للحالة المدنية قد صادقت عليها إلا أنها لازالت مرفوضة في بعض مكاتب الحالة المدنية مع العلم أن قرارات هذه اللجنة إلزامية بالنسبة لجميع مكاتب الحالة المدنية دون استثناء، و هنا يطرح من جديد مشكل التنسيق بين هذه المكاتب و بين اللجنة العليا للحالة المدنية.
و يستمر الدارودي في إطلاق العنان للسانه جازما أنه لم يحدث أن أجبر أحد على أن يكون اسمه عربيا أو إسلاميا منذ الغزو العربي لشمال إفريقيا، و هنا لابد أن نسأل الدارودي عن المصادر التي اطلع عليها حتى خرج لنا بهذه النتيجة الحتمية؟ هل عايش تلك الفترة مثلا؟ حقيقة لا نعرف كيف استطاع الدارودي الجزم في مثل هذا الأمر مع العلم أن نظام الحالة المدنية نظام حديث جدا.
ونقول للدارودي إذا لم يكن هناك إجبار صريح بتسمية الأبناء بأسماء عربية فإن هذا الإجبار ضمني من خلال رفض تسجيل الأسماء الأمازيغية في سجلات الحالة المدنية، و أن اختيار الأسماء كمحمد و أحمد و إبراهيم و عبد الله و الحسن و الحسين لم يخترها الأمازيغ لأنهم عرب بل اختاروها عملا بالحديث النبوي الذي يحث على حسن اختيار الأسماء للمواليد، و تيمنا بالله و بالدين و الأنبياء و الصالحين عربا كانوا أو عجما و لا علاقة لذلك بالعروبة و لا بالقومية العربية. و لابد أن نسجل أن مثل هذه الأسماء التي يسمي بها الأمازيغ مواليدهم شبه منعدمة ببلدان الشرق الأوسط .
برر الدارودي منع الأنظمة العروبية بشمال إفريقيا للأسماء الأمازيغية بأنها حماية للهوية و الحفاظ على وحدة الشعب و حمايته من التفكك، و هنا نقول للدارودي أن الوطنية و الإتحاد بين أفراد الشعب الواحد أو بين عدة شعوب لا يتوقف على الأسماء الشخصية للأفراد، و لينظر الدارودي إلى دول الشرق الأوسط كلهم عرب و يسمون بأسماء عربية لكن رغم ذلك فهم شعوب متفرقة و مشتتة يأكل بعضهم بعضا، و نفس الشيء بالنسبة للأنظمة الحاكمة هناك، و نقف هنا لنسأل الدارودي عن سبب تفكك تلك الشعوب و سبب الفوضى التي تعيش فيها رغم عدم وجود الحركة الأمازيغية هناك ؟ و نقول للدارودي أن ما يحقق الوحدة و الإتحاد بين الشعوب هو مدى احترام الدولة لمواطنيها و ضمان حقوقهم و احترام ثقافتهم و هويتهم الأصلية، و مدى احترامها للقوانين الوطنية و المواثيق الدولية، لكن كل هذا لن تجده عند الأنظمة العروبية التي استوردت لنا هوية مزيفة و أرادت فرضها على باقي الشعوب بالقوة، و هذا طبعا لن يتحقق و سيبقى الصراع قائما بين الأنظمة الديكتاتورية و الشعوب الأصلية إلى أن تعود تلك الأنظمة إلى رشدها، فإرادة الشعوب لا تقاوم و حتما ستنتصر مهما طال الزمن.
إن المبرر الذي قدمه الدارودي مبرر واهي لا أساس له، فإذا كان الدارودي يرى أن منع الأسماء الأمازيغية هو من أجل الحفاظ على هوية تلك البلدان و حماية شعوبها من التفكك، فبماذا سيفسر لنا الدارودي السماح بتسمية المواليد بأسماء أجنبية في كل من دول الشرق الأوسط و بلدان شمال إفريقيا ؟ و لابأس أن نشير إلى بعض من هذه الأسماء فنذكر : بطرس، ميشيل، جورج، أرسلان، جومانة، أسمهان، أنطوني ، بلسم، إيناس، تيمور، جيهان، رستم، زمردة، سوزان، سندس، ديانا، نانسي، شهرزاد، شهريار، شيرين، فيروز، فردوس، نرجس، ناريمان، ياسمين ... و غيرها من الأسماء، هل يملك الدارودي تفسيرا لهذه التناقضات التي في أفكاره ؟
و يستمر صاحبنا في محاولته إقناعنا بأن الأسماء الأمازيغية مبتدعة و أن المدافعين عنها لا يفعلون ذلك مع أنفسهم، و هو ما نقرأه في الصفحة 31 و 32 من كتابه حيث يقول : "فإن الأمر لا يخرج عن كونه أسلوبا جديداً ابتكره أحدهم
ليضاف إلى أساليب عدة سبقته للمحافظة على “الهوية الأمازيغية” مقابل الهوية
العربية، ونريد أن ننبه إلى أن من يحرضون الآخرين بأقلامهم، ومن فوق منابرهم
على التمسك بتسمية المواليد بأسماء بربرية، وتعلو أصواتهم منددة بمنع تسجيل
هذه الأسماء الأجنبية في الحالة المدنية، لا يفعلون هذا مع أسمائهم التي أطلقها
عليهم آبائهم، فلم نسمع بأنهم بدؤا بأنفسهم حتى يكونون قدوة للآخرين، فلما
لا يغيرون أسماءهم العربية كمحمد، علي، أحمد، خالد، سعيد، رشيد، أمينة،
فاطمة، عائشة، مليكة، خديجة، رشيدة، لطيفة .... ويستبدلونها بأسماء من
قبيل: أسافو، أساروف، أنامار، أفولي، إغوس، تهيا، تيتريت، نوميديا.... ؟ قد
يقول قائل بأن القانون أيضا لا يسمح لهم بتغيير أسمائهم إلى هذه المسميات
البربرية، وهنا نقول إن القانون سلطته فقط في الأوراق الرسمية، مثل شهادات
الميلاد والأجوزة، فباستطاعة هؤلاء أن يذيلوا كتاباتهم بأسماء أمازيغية يختارونها
تكون عوضا عن الأسماء العربية التي أُختيرت لهم من قبل آبائهم، ثم يطلبون
من أصدقائهم ومعارفهم بل ومن الجميع أن ينادوهم بأسمائهم البربرية الجديدة،
ونحن سوف نحترم رغبتهم ولن ندعوهم إلا بها، وهكذا سيكونون منسجمين
مع هويتهم الأمازيغية، وسيحوزون على المصداقية أمام الجميع فيما يخص قضية
تسمية المواليد بأسماء بربرية". انتهى كلام الدارودي.
من خلال هذه الفقرة التي ذكرناها نكتشف مدى جهل الدارودي و سذاجته في الطرح الذي قدمه، فأما جهله فيتبين لنا من خلال قوله أن القانون يمنع تغيير الأسماء الشخصية، و هذا غير صحيح لأن قانون الحالة المدنية المغربي يسمح بتغيير الأسماء الشخصية، و هو ما نقرأه في الفقرة الثالثة من المادة 21 من قانون الحالة المدنية و التي تنص على أنه : " يجوز لكل مغربي مسجل بالحالة المدنية أن يطلب تغيير إسمه الشخصي، إذا كان له مبرر مقبول بواسطة حكم قضائي صادر عن المحكمة الإبتدائية المختصة." كما نقول للدارودي أن الأسماء الشخصية لا تبقى ثابتة و تتغير بتغير المجتمع، و إلا فلماذا انقرضت الأسماء العربية التي سمي بها العرب قبل و بعد الإسلام، مثل أسماء الحيوانات كثعلبة و كلب و أسد و أوس، و بعض الأسماء الأخرى مثل خزاعة و حزقير و حنظلة و خيشة ...
و أما سذاجة الدارودي تبدو من خلال الفكرة التي طرحها بخصوص طريقة تغيير الأسماء الأمازيغية، و نقول له فكرتك الساذجة احتفظ بها و اطرحها في مجتمعك العربي لمن يريدون تغيير أسمائهم الأجنبية بأسماء عربية، أما في بلادنا فهناك مساطر قضائية تتبع من أجل تغيير الأسماء الشخصية، و تكتسب حجيتها و مصداقيتها بقوة القانون.
إن المبررات التي يقدمها الدارودي للدفاع عن أفكاره و أسلوبه الذي يعتمد المقارنة لم تسعفه في أن يقنع القارئ بما يقول، بل تسقطه في تناقضات و متاهات لا يكاد يخرج من إحداها حتى يدخل في أخرى، مما يجعل أفكاره لا قيمة علمية لها.
فإذا كان الإتحاد بين الشعوب و حماية هويتها و الحفاظ على وحدتها و حمايتها من التفكك و الإنشطار هي المبررات الذي يقدمها الدارودي و يختبئ وراءها ليهاجم اللغة الأمازيغية و الحركات الأمازيغية، فنقول له أن يهتم بوطنه ، فعوض أن يعطينا الدروس في الوطنية و الإتحاد و التلاحم بين أبناء الوطن كان عليه أن يبدأ بنفسه أولا قبل غيره، و في هذه النقطة بالذات أود أن أشير إلى أن الدارودي من الذين يريدون زرع الفتنة و تشتيت الشعب العماني و تهديد وحدة بلاده و تقسيمها ، فهو دائما يعتبر أنه ظفاري و ليس عماني، و كان قد نشر منشورا على صفحته كتب فيه " أنا ظفاري و لست عماني" فكان ثمن منشورته هذه هو الإعتقال و السجن، و تم منع عرض كتاب له ألفه حول الدارجة الظفارية، مما يثبت أن صاحبنا الدارودي له فكر انفصالي عن عمان، ما نقرأه في كتاباته أثناء الحديث عن ظفار، ففي الصفحة 11 من كتابه " حول عروبة (البربر) يقول : "إن في بلدي ظفار عشر لهجات ..." وفي الصفحة 12 يقول: "كوني باحثا ً ظفاريا مشتغلا بعلم اللغة المقارن، جعلني هذا استشهد باللهجات الظفارية في المقام الأول، ثم اللهجات ُ العمانية واليمنية، لأن بلدي ( ظفار ) يقع بين عمان واليمن، مما جعل حصيلتي اللغوية من لهجات هذه البلدان الثلاث أكثر مما لدي من اللهجات المشرقية الأخرى".
من خلال ما سبق نستنتج أن صاحبنا الدارودي يجعل من محافظة ظفار بلدا إلى جانب عمان و اليمن، و ظفار لمن لا يعرفها هي اقليم تابعة لسلطنة عمان، لكن صاحبنا يراه بلدا محتلا من قبل سلطنة عمان و الجمهورية اليمنية، و هو ما يؤكده الدارودي في إحدى مقالاته حيث قال :"... و هما من لهجات إقليم ظفار في قلب جنوب شبه الجزيرة العربية، ذلك الإقليم المتوزع سياسيا بين سلطنة عمان و الجمهورية اليمنية."
عموما نكتفي بهذه المقالات التي خصصناها للرد على ما ورد في مقدمة كتاب "حول عروبة (البربر) " و كذلك على ما جاء في جزء من الفصل التمهيدي لهذا الكتاب، و سنستأنف مقالاتنا لاحقا و نتمم الرد على ما بقي في الفصل التمهيدي و باقي أجزاء الكتاب.