لماذا الفقراء يعبدون الله اضطرارا والأغنياء اختيارا؟
حمزة الغانمي
لقد أصبحنا اليوم نلاحظ بأن هناك فرق شاسع بين الغني والفقير في المجتمع، وهذا ليس أن الفقر أو الغنى وليد اللحظة لا بل لكثرة وسائل الإعلام التي نرى من خلالها كل يوم؛ فلان يملك ثروت تقدر بكذا.. وهناك عدد من الضحايا يموتون جراء الفقر. فالأغنياء أغنياء جداً، والفقراء وضعهم سيئ للغاية، فهناك بون شاسع بين الفئتين، وكما أن الفقراء يشكلون نسبة كبيرة من سكان العالم، والفرق بين الفقراء والأغنياء أساسه المال بالدرجة الأولى لكنه سيتولد عنه أمور أخرى كالفرق بينهم في مستوى التعليم والصحة والحياة الكريمة وكذلك الدين وهو ما سنتحدث عنه.
عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه من الفقراء: "يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: "أوَليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن لكم بكل تسبيحةٍ صدقةً، وكل تكبيرةٍ صدقةً، وكل تحميدةٍ صدقةً، وكل تهليلةٍ صدقةً، وأمرٍ بالمعروف صدقةً، ونهيٍ عن منكرٍ صدقةً، وفي بُضْعِ أحدكم صدقةً"، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرامٍ، أكان عليه وزرٌ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ". فبعدما أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى طرق أخرى كي يتساو مع الأغنياء في الأعمال الصالحة، ومع ذلك حينما سألوا عن بديل الصدقات التي يتميز بها الأغنياء في ثقل أعمالهم يوم القيامة، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فإذا كان الصحابة يتنافسون فيما بينهم في الأعمال الصالحة واستباق إلى الخيرات سواء الأغنياء منهم أو الفقراء، لكن فقراء اليوم يتنافسون من أجل المال، وحتى في العبادة يتنافسون من أجل المصلحة، فيعبدون الله كي يرزقهم في الدنيا من مال وأولاد وزوجات وإذا لم يكن لهم ذلك في الدنيا، فإنهم يأملون أن يكون لهم ذلك في الآخرة من قصور وحور العين، حتى إن بعضهم إذا لم يجد مالا كي يشتري خمرا فيقول أنا لن أشربها في الدنيا كي أشربها في الآخرة، وإذا لم يجد سبيلا إلى الزنى قال سأصون نفسي كي أفوز بحور العين.
بينما الأغنياء لديهم تلك الأمور في الدنيا لكنهم يتغاضون عن ذلك ويعبدون الله، بحيث لو أنهم كانوا يريدون الدنيا فلهم ذلك، لكنهم يزاحمون الفقراء على الآخرة، بينما الفقراء إذا لم يعبدوا الله سيكونون قد خسروا الدنيا والآخرة، ويمنون أنفسهم، إذا رأى أحدهم غنيا ينعم في الدنيا قال في نفسه قل متاع الدنيا قليل، وإذا قال فقير لماذا أنا فقير؟ قيل له أم تحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
هكذا بكل سذاجة تلقينا بأننا إذا لم نصلي سوف يهلكنا الله وإذا لم ندعوه كي يرزقنا سنظل فقراء، فأصبحنا نعبده اضطرارا، من هنا نجد أن مروجي شعائر الأديان من بعض شيوخ الذين يخاطبون الفقراء بالتقشف من خلال بعض القنوات، بينما هم ينتقلون من دولة إلى أخرى ينزلون أحسن الفنادق ويلقون محاضراتهم في أشهر جامعات العالم فلماذا لا يذهبون إلى الفقراء في باقي بقاع العالم، أو أن أولئك ليسوا مسلمون؟ أو أن تلك الدول لا تتوفر على فنادق بمعاير معينة تناسبهم؟
بينما هم يخاطبون الفقراء بالتقشف يدعون الأغنياء أن يقوموا بشراء تذاكر إلى الجنة من زكاة وحجة وبناء المساجد، حتى وإن كان الأغنياء يتخذون من الفقراء مطية لغنائهم، وهؤلاء الفقراء هم الذين حثوا على الفقر والتقشف من طرف مروجي شعائر الدين، الذين بدورهم قد حثوا الأغنياء على شراء تذاكر الجنة عن طريقة الزكاة والحجة، مما جعل من الأغنياء يحجون ويعتمرون أكثر من مرة خلال حياتهم، بينما الفقراء يدخرون المال طوال حياتهم منهم يستطيع أن يقوم بأداء المناسك ومنهم من يخفق في ذلك.
من الذي رسخ في عقول الناس بأن العبادة تكون طمعا فيما عند الله؛ سواء كان ذلك مال في الدنيا، أو جنة في الآخرة، وإذا كان الله خلق وجعل منا الفقير الذي رسخت لديه أنه يجب أن يعبد الله كي يرزقه فيعبده أثناء ذلك اضطرارا، وإذا كان الله قد كتب عليه أنه فقير فسيكون الله قد فرض عليه ما فيه مضرة له ولم يراعي مصلحته حينها يكون الله عابث وهذا لا يليق به سبحانه.
والغني الذي أوتي ما يوافق سجيته من غنى فاستخدمه في طاعة الله، لكن إذا نظرنا من هاته الزاوية فسيكون الله ليس عادلا في حكمه، فلذا كان علينا أن نعيد النظر في عبادتنا وفي أحكام الله. حتى وإن كان هذا الأمر ليس سائر على جميع الأغنياء والفقراء إلا أن الأغلبية سائرة في هذا المنحى، متتبعين في ذلك أوامر بعض الدعاة الذين جعلوا من الدين تجارة، ومن الفقراء مطية ومن الأغنياء وسيلة وإلى الغنى غاية.