موحا الفحّام
عبد الحكيم برنوص
بني ملال مدينة تتوسد الجبل، وتمد أطرافها بعيدا في السهل المشرع. بدا المساء حزينا أكثر من المعتاد، لم يتوقف انهمار المطر منذ الرابعة عصرا.
في هذه الليلة، لم يطرق باب دارنا أحد، انتظرناه حتى منتصف الليل، لكنه لم يأت.
في الجهة الأخرى للجبل، كان موحا يصارع من أجل أن يبقى حيّا، أن يبقيا حيّين، فلا حياة لأحدهما، من دون الآخر.
فاجأهما تساقط الثلج، فانمحت معالم السبيل، وعم البياض كل مكان، وأينما ولّى موحا وجهه، لا يرى إلا بياضا، بياض على الأرض وبياض في العين، عينٌ غطّت "الجلالة" معظمها، فبقي التعويل على الأخرى المعداة. لكن موحا يشعر بأنه لم يكن وحيدا.
دفع برفيقه أمامه، لعله يفلح في اقتفاء أثر المسلك الضائع، المسلك الذي ظلا يعبرانه، جيئة وذهابا، منذ أن اشتد عود الرفيق، وأصبح قادرا على أداء هذا النوع من العمل.
احتميا بعريشة "كروش" متشابكة، وكان أخوف خوفهما من الشعبة التي تهدر الآن بالماء والحجر، وقد تناهى هديرها المخيف إلى أسماعهما.
كان الرفيق صلدا مثل الصخر، ينوء بحمله ويتحسس الطريق. وعلى حافة الشعبة، وقفا يتأملان مصيرهما.
لم تكن باليد حيلة، ولا بأي مكان. الرجوع، هذا ضعف وانهزام، الانتظار حتى يحرق الصقيع أحشاءنا، لا مفر من العبور والاقتحام. هكذا فكر موحا.
بدأ الليل يغرق في ليله، وأيقنت أن موحا لن يأتي، أغلقت باب الدار، وانسحبت إلى الداخل، وفي الممر الطويل، بصُرت بالموقد الفارغ ملقى. لم تكن به ولا قطعة فحم واحدة. لذلك شعرت ببرد شديد، وانخفاض كبير في درجة حرارة جسمي، كتلك التي ينشرها الموت، أول ما يتسرب إلى الجسد.
تسللت إلى الفراش البارد، فكان طبيعيا أن يقاطعني النوم.
فتحت عينيّ جيدا، ورأيت موحا في غمرة السيل المنهمر، رأيته مطحونا مشدوخا، مفقوء العين، مفشوش الرئة، وقد تدلت عظام الصدر من مكانها.
بعد ثلاثة أيام انحسر الماء، وفي النقطة المعروفة بأمان أغزيف، عثر بضعة صبية، يذرعون المجرى، على حمار مطمور في أسفل صدع، ينوء بأحمال ثقيلة من أكياس الفحم.
بدا وكأن الحمار حيّ.